مرسم “الخطو الجديد”.. مشروع شبابي يحمل رسالة الفنان هيشون في جعل الفن التشكيلي متاحا للجميع

اللاذقية-سانا
لن تتوه كثيرا في طرقات حي المنتزه حتى تصل إلى الزقاق المرصوف بقطع السيراميك الملون المؤدي إلى مرسم الفنان الراحل عيسى بعجانو المعروف فنيا باسم هيشون وستشعر على الفور بدفء المكان وخصوصيته التي جعلته معلما من معالم هذا الحي الشعبي الواقع على أطراف المدينة والذي بات قبلة لأطفال الحي ويافعيه وشبابه لتعلم أصول الفن التشكيلي بأسلوب فني أكاديمي.
وضع هيشون خطوطه العريضة عند تأسيس المرسم الذي ما زال مستمرا في العطاء على أيدي مجموعة من الشابات السوريات المؤمنات بمشروع هيشون الفني المتطلع لجعل الفن التشكيلي بمتناول الجميع بغض النظر عن المستوى المادي والاجتماعي للمهتمين به.
نشرة سانا الشبابية زارت المرسم والتقت كوثر بعجانو شقيقة هيشون التي أكدت أن اخاها امتاز منذ طفولته وشبابه بحبه للفن على اختلاف أنواعه وأبدع بإحساس عال في العديد من مجالاته كالرسم والقصة والشعر وفي عام 1995 قرر إنشاء مرسم خاص به ليكون ركنا لانجاز لوحاته من جهة وملتقى للعديد من أصدقائه ومعارفه المثقفين لتبادل الآراء الفنية والأدبية.
وتابعت: “على اعتبار أنه مدرس رياضيات اطلع على العديد من المواهب الفنية لدى طلابه ورغب بتنميتها ورعايتها عن كثب فأتت فكرة إقامة دورات للرسم في مرسمه الذي أطلق عليه فيما بعد اسم الخطو الجديد وأعطى له الكثير من وقته وجهده ولم يلق بالا للمردود المادي من هذه الخطوة لأنه صنفها على أنها مشروع ثقافي فني لا يهدف إلى الربح”.
وأصر هيشون خلال فترة مرضه على أن تستمر تلك الدورات كي لا ينقطع الأطفال عما تعلموه ويذهب العناء سدى فمسألة استمرار المرسم بحسب كوثر بعد وفاة شقيقها ماهي إلا رغبة شخصية منه مضيفة “أردنا تحقيقها كعائلة محبة له ورثت عنه اسمه الكبير وتاريخه الفني العريق ومع استمرار المرسم في استقباله للأطفال نشعر أن روحه ما زالت معنا وأنه يتابعنا بعين الرضا لأننا مستمرون في السير على خطاه وتحقيق حلمه ونسعى حاليا كعائلة هيشون لتوثيق المرسم الذي هو عبارة عن بيت عربي قديم ضمن لائحة التراث في المحافظة كما أننا نفكر في المرحلة القادمة بإطلاق جائزة فنية تحمل اسمه وتكريسها لتكون عرفا سنويا وثقافيا يضيف إلى مسيرة هيشون الفنية حتى بعد رحيله”.
من جهتها تحدثت ابتهال مصطفى فنانة تشكيلية عن التحديات التي واجهت انطلاقة المرسم كونه يقع في منطقة شعبية بسيطة لم يألف أهلها وجود أوجه فنية مشابهة لما طرحه هيشون في مرسمه لكنه اعتمد على علاقته الطيبة مع أهل الحي والتركيز على فكرة وجود مكان قريب من منازل الأطفال مخصص لتعليم الفن التشكيلي ليكون صلة وصل بينهم وبين مستقبلهم في هذا المجال واستطاع تدريجيا كسب ود الناس وإقناعهم بضرورة إلحاق أطفالهم في صفوف المرسم وأهمية اكتشاف مواهبهم.6
وتقول: “بدأنا رسميا باستقبال الأطفال عام 2007 وقررنا منذ العام الأول إقامة معرض لنتاجاتهم الفنية وعمدنا على ان يكون المعرض ضمن المرسم نفسه في غرفه وفسحته السماوية والزقاق المؤدي إليه بهدف بناء ثقافة اجتماعية تشكيلية لدى الأهالي لم تكن لتحصل لو أقمناه في مكان آخر فالمعرض عمل على ترسيخ قيم المرسم وكسر الحاجز الموجود بينه وبين المحيطين به في نفس المكان”.
وأكدت أن المعرض مستمر حتى الآن بشكل سنوي دون انقطاع وبنتائج مذهلة خاصة وأنهم تجاوزوا الموضوع المادي لأن لديهم مشروعا ثقافيا اجتماعيا بعيد المدى.
ويعتمد الأسلوب الذي وضعه هيشون لتعليم الأطفال على مجموعة من الأسس العلمية المبنية على تعليمهم الانتباه على تفاصيل الأشياء بوضع نماذج مجسمة للرسم مستوحاة من البيئة المحيطة بهم تحمل مواضيع من حياتنا اليومية لتكوين حالة بصرية تساعد الطفل على التقاط الأشياء الجميلة دون اللجوء لنسخ صور ونقلها لورقته بحيث يصبح الطفل قادرا على استيعاب نسب الأحجام والتشكيلات الفنية وتدريب العين على المنظور إضافة إلى وجود وقت مخصص للرسم الحر ليبدع الطفل دون أن يفرض عليه شيء بهدف إشاعة جو من المتعة وحالة من الحوار مع الطفل ليبتكر في فضاء أكثر حرية.
وتضيف ابتهال: “يمكن للأطفال من عمر الثلاث سنوات أن ينضموا لدوراتنا التعليمية التي نبدؤها بتعليم الرسم بالرصاص والباستيل والمائي والألوان الزيتية التي نخصصها للأعمار الأكبر ولدينا العديد من الأطفال الذين بدؤوا معنا ووصلوا لمراحل متقدمة”.
أما غيداء عصيفوري فنانة تشكيلية فأكدت أن هيشون دعمهم في البداية كشباب تشكيليين وكان لا بد من رد الجميل من قبلهم بإكمال الرسالة التي بدأ بها وتحقيق حلمه الذي أخذ كثيرا من وقته وجهده منوهة إلى العلاقة القوية التي تنشأ مع الأطفال وذويهم والذين باتوا يعتبرون المرسم متنفسا لهم فنتجت حالة صداقة بينهم وبين القائمين على المرسم.
وتتابع: “تأقلمنا على التعامل مع جميع الحالات والأمزجة وأسسنا لعمل جماعي تساعدنا به فنانتان تشكيليتان هما آرميك خودانيان وشذا حيدر وقررنا التعامل مع الطفل على أنه متلق ذكي له رأيه في النموذج الذي نطرحه للرسم فنجد أن كثيرا منهم يضيفون على النموذج المقرر بأسلوب تحضر خلاله شخصيتهم من خلال اللون والخط كما أننا نتيح للطفل تعلم جميع المدارس الفنية ليختار في النهاية المدرسة التي يحبها”.
كما يتعلم الطفل بحسب غيداء الأبعاد والأحجام ودمج الألوان ونعتبر أن كل لوحة هي ولادة لتجربة جديدة لراسمها وأن كل درس هو تجربة جديدة لنا نتعلم من الأطفال ويتعلموا منا.
وتشير غيداء إلى رؤية القائمين على المرسم للمرحلة القادمة والمتمثلة بتطوير تقنيات الرسم لاسيما الرسم الزيتي الذي يتطلب مهارات وأعمارا معينة بالإضافة إلى إدراج موضوع إعادة التدوير ضمن دروس المرسم لتعليم الأطفال إنشاء تشكيلات من التوالف سواء الورقية منها أو الطبيعية كأغصان الأشجار للتأثير إيجابيا على ذائقة الطفل الفنية وتطوير رؤيته تجاه كل ما يحيط به.
بدورها أوضحت ياسمين والدة ريما وأحمد سعيد أن أولادها تعلموا من خلال المرسم الاهتمام بالتفاصيل وكيفية إنجاز اللوحة والخطوات اللازمة لذلك بأسلوب سلس مع التنبيه لأسس إسقاط أفكارهم على المجسمات التي يرسمونها وبث الروح فيها.
وهذا ما أكدت عليه والدة الطفلة زينب البب التي قالت: “إن الجانب التربوي ليس غائبا عن دروس التعليم فالطفل يتطور أيضا من الناحية الاجتماعية ويصبح أكثر هدوءا ومقدرة على التعاطي مع الآخر كما أن إصرار الأطفال على متابعة الدروس وتطبيق ما يتعلمونه في البيت وقرب المرسم من مسكن الطفل تعد أمورا إيجابية لايمكن إغفالها”.
يذكر أن هيشون /1953/ 2011/ هو فنان تشكيلي ولد في اللاذقية ويكتب الشعر والقصة القصيرة والدراسات المنوعة ونشرت أعماله في العديد من الصحف العربية كما قدم محاضرات حول قضايا الفن التشكيلي وأقام عدة معارض في معظم المدن السورية وفي موسكو وبطرسبرغ وبخارى وباريس وبيروت.
ياسمين كروم