بين الفشل والفشل.. مجلس الأمن يقلق!!

يكفي قلق مجلس الأمن وهو الذي صام حتى عن الكلام بعد أحد عشر يوماً من العدوان الإسرائيلي، دون أن يبدي حراكاً، لكي يبنى على الأمر مقتضاه، وقبل ذلك كان يكفي أن نراقب، كما غيرنا، حركة التدافع والحماسة والإثارة في عروض الوساطة كي يتبين الخيط الأبيض من الأسود.
وحده كيري الذي نفد صبره بعد أن أرجأ زيارته إلى المنطقة أكثر من مرة اضطر إلى اللغو بما عجز عن النطق به أمام الكاميرا، حيث الفشل يلاحق العروض الهجينة المقدمة من أدواته ووكلائه المعتمدين، وانزلق رعاة التهدئة في مغاور الخلافات والانقسامات، وقد تقطعت بهم السبل بعد أن حبسوا أنفاسهم في اللهاث خلف فرصة التعويم المحمولة على متاريس العدوان.‏
في الفائض من لغة القتل والمجازر التي يرتكبها العدوان الإسرائيلي تبدو الفرصة سانحة كي يوقف كيري انتظاره، في وقت كانت الذراع الأميركية تلوي إرادة مجلس الأمن والمجتمع الدولي الذي عجز حتى عن النطق بكلمة إدانة للعدوان ومجازره.‏
لكنها في صلب المهمة الأميركية القائمة على قيادة حلبة اللهاث لإنجاز ما فشل به العدوان، تبدو الكفة متأرجحة بين انتكاسة الخلاف المتأزم وهاوية المكاسب المتنازع عليها، بعد أن أخطرت إسرائيل المايسترو الأميركي بهواجسها ومتاعبها وشكوكها، ولغة التخوين التي طفت على سطح الاتهامات المتبادلة، وبين تساقط أحجار الدومينو على وقع التخبط والارتباك الأميركي في رسم نهاية أو خط أفق يمكن التوافق عليه.‏
على الخط الموازي له، لم يكن الأمين العام للأمم المتحدة خارج حلبة المحاصصة في إعادة التعويم، بعد أن بدت المنظمة الدولية أسيرة الحسابات وشريكاً في تجنيد الظروف لمصلحة العدوان، أكثر مما هي في إطار السعي للقيام بدورها بعد أن مارست لعبة التشفي من الفلسطينيين ببضعة مواقف كانت في أغلبها حمالة أوجه، وفي بعضها الآخر منحازة كلية إلى العدوان وأطرافه.‏
بهذه الفظاظة يقود المايسترو الأميركي لعبة التقاط الأنفاس على خط النهاية، وقد أوجعته إلى حد الضجر من الأداء الإسرائيلي الذي دفع بكيري كي يرمي ما بحوزته في وجه مرافقيه، حين عجز عن التلفظ به أمام الإعلام أو في الغرف المغلقة والدارات الهاتفية المشتعلة بين خطوط الأدوات في المنطقة.‏
الحدود الفاصلة بين الفشل والفشل تتحول إلى جبهات اشتعال يوغل خلالها وعبرها الإسرائيلي في التشفي من الفلسطيني المقاوم، وقد ساندته في لغة التشفي جامعة الأعراب المتدحرجة على رقعة يرتبك الأميركي في التقاطها، فتضيع الاتجاهات وتخرج الجغرافيا عن إحداثيات الخرائط التي تشكلت على وقع الأطماع، في حين يقف الأوروبي وقد أدخلته الدهشة في غيبوبة الانتظار علّ المارد الأميركي يخرج بعد أن تزنر بإضافات من النفاق، وهو يتثاءب على خطوط النار المرتسمة في المنطقة دون أن يطفئ هواجس حلفائه الدفينة من انقلاب الطاولة وقد طاولتهم حتى الآن الكثير من هواجس الرعب في سيناريو رحلة العودة للإرهابيين.‏
وحدها غزة تتمهل في التقاط الجراح الدامية، وهي تعلن صمودها رغم حلبة اللهاث الممتدة من القاهرة إلى الرياض وصولاً إلى الدوحة التي استعانت بدبلوماسية كي مون الهارب من حلبة الصراع في أروقة المنظمة الدولية محاولاً التلطي خلف دبلوماسية الوساطات المستعرة.‏
ووحدها غزة أيضاً تدرك – كما يدرك ذلك شركاؤها في المقاومة- أن قلق مجلس الأمن يعني مزيداً من إتاحة الوقت أمام آلة القتل والعدوان، وأن نفاد صبر الأميركي من الانتظار يعني بالمبدأ العملي أن مزيداً من فصول العدوان الأكثر شراسة هي القادمة، لكن أهل غزة يعرفون وبفطرة المقاومة وإرادة الصمود أنهم يدفعون أطراف العدوان إلى المأزق، وأدواته إلى الإفلاس بعد أن أراقت رحلة اللهاث آخر ما تبقى من فائض الدجل.‏
بقلم: علي قاسم