قبل فوات الحكاية.. دراسات في القصة العربية لـ نضال الصالح

دمشق-سانا

“قبل فوات الحكاية” دراسات في القصة العربية القصيرة للدكتور نضال الصالح تناول فيه مراحل تطور هذا الفن الأدبي مضمنا ثلاث مداخل في سورية والخليج والمغرب العربي وتنتمي هذه المداخل الثلاثة إلى حقل تأريخ الأدب أكثر من انتمائه إلى حقل النقد الأدبي.

تحدث الدكتور الصالح عن نشأة القصة القصيرة في سورية والتي تعود إلى القرن التاسع عشر مميزا بين مراحلها النشأة والتأسيس والتأصيل والتجريب ومرحلة التمثل وإعادة الإنتاج حيث كانت القصة القصيرة في سورية كما أوضح الصالح حتى مطلع الثلاثينيات لا تعدو كونها تمرينات في القص أو محاولات تعيد إنتاج التقاليد الفنية الوافدة و”ترتهن” في الأغلب منها إلى تقاليد الكتابة السردية العربية الموروثة على مستوى الشكل.

ومن أبرز السمات التي ميزت نتاج الثلاثينيات عامة وفقا للصالح صلة معظمه الوثيقة بالواقع المحلي وصدوره عنه وتعريته لأمراض ذلك الواقع وعلله الاجتماعية وقيمه وتقاليده المعوقة للتقدم أما عقد الأربعينيات شهد منعطفا في تاريخ الحركة القصصية السورية على المستوى الفني خاصة موردا أمثلة عن تلك المجموعات القصصية منها مجموعة فؤاد الشايب “تاريخ جرح” ومجموعة سامي الكيالي “أنواء وأضواء”.

أما مرحلة التأسيس والتي تمثل سنوات الخمسينيات في سورية فتمثل تحولات كبرى على أكثر من مستوى والتي كان أهمها المستوى الثقافي حيث تقدم فن القصة تقدما ملفتا للنظر عبر ثلاث علامات وهي عدد المجموعات القصصية الصادرة خلال تلك الفترة والتطور الفني والاستجابة للتيارات الفكرية والفنية الوافدة بأطيافها المختلفة.

ثم تبدأ مرحلة التأصيل والتي يمثلها عقد الستينيات بكتابة قصصية دالة على نفسها ولا تعيد انتاج ما سبقها حيث برز في هذه المرحلة أصوات جديدة كزكريا تامر وسامي جندي وظهرت اتجاهات فنية متعددة ورؤى فكرية متباينة تعبر عن تجديد واضح في أشكال القص وعن تمثل مميز لمختلف تحولات الفكر والفن الانسانيين.

وتأتي مرحلة التجريب في عقد السبعينيات بوفرة من النتاج القصصي على المستوى الكمي وتتسم على المستوى الفني بالحساسية الأدبية الجديدة لتبلغ القصة القصيرة في سورية مرحلة عالية من التجريب في التخيل والبناء والتراسل بين الأجناس والترميز والاستجابة لتحولات الفن ومذاهبه وتياراته الحديثة وكانت مجموعة إبراهيم الخليل الأولى “البحث عن سعدون الطيب” أكثر منجز يمثل مرحلة السبعينيات حسب ما أورد الدكتور الصالح .

أما مرحلة التمثل وإعادة الانتاج فتشكل إضافة جديدة إلى تجربة القص السوري إلا أن معظم نتاج تلك المرحلة لم يستطع التحرر من “عباءة السبعينيات التي ظلت تمارس نفوذها فيه” وفقا للصالح.

كما يتضمن الكتاب ثلاثة أصوات من فلسطين وهم أنور رجب ويوسف جاد الحق وعدنان كنفاني حيث تتشكل الموضوعات التي طرحتها مجموعة أنور رجب القصصية من “الصافرات” إلى “ليلة تمتمات” من انسانية مختلفة إلى الموضوع الفلسطيني الذي شكل معظم شواغل القص فيما تبقى من نصوص المجموعة ويجهر الموضوع الفلسطيني في قصصه عبر تلوينات حكائية مختلفة بانكسار الذات الفلسطينية ما بين النزوح وبعده وتهجير المقاومة في بيروت وتمجيد الفداء الطالع من مرارة الواقع وشظف العيش في مخيمات الشتات.

وتتميز النصوص القصصية لعدنان كنفاني في مجموعته التي جاءت تحت عنوان “الهالوك” بتعاضدها الدلالي في هجاء الخراب الذي يفتك بالراهن على غير مستوى من الهالوك الصهيوني الممعن بانتهاكه لقيمة الوفاء إلى الجحود بالأرض والأهل والسقوط في شرك الوهم بتفوق الآخر كما في نصه “الصرخة” .

ويسلط الدكتور نضال الصالح الضوء على عبد الاله عبد القادر كصوت قصصي من العراق في مجموعته القصصية “اليانكي” المتضمنة لأربعة عشر نصا قصصيا جميعها تصدر عن الواقع وتغوص على نحو أكثر اثارة للاستلاب الإنساني حيث يصوغ القاص محكيات تلك النصوص وفق منظومة بنائية تتقدم مغازي القص فيها على تقنيات القص نفسه وتدير ظهرها لما يلاشي مؤرقات الكتابة لصالح الكتابة وحدها.

ويجد الصالح أن النصوص لدى عبد القادر جميعا مصوغة بضمير خطاب قصصي واحد هو الغائب لتنتمي هذه النصوص جميعا إلى نوع من أنواع المنظور السردي هو الرؤية من الخلف الدال على حفاوة القاص بمقاصد النص أكثر من حفاوته بكيفيات بنائه.

ويختتم الدكتور نضال الصالح كتابه معاينا الكتابة القصصية العربية وتحولاتها حيث لم يزل المشهد القصصي العربي ونقده مثخنين بوهن أن القصة القصيرة هي حكاية في البدء والمنتهى ولم يزل عدد غير قليل ممن تم تصدير نتاجهم إلى القارئ العربي بوصفه قصا أقرب إلى سارد الحكاية أكثر منه قاصا.

ويرى الدكتور نضال الصالح أن الكتابة القصصية العربية وتحولاتها تنتسب إلى الحكي أكثر من انتسابها إلى فن القص أما على المستوى الفني فتمايزت المستويات نسبة إلى تمايز وعي كتاب فن القصة فوقع بعض القاصين بمأزق المباشرة وإنتاج المواضيع الانشائية والخطابات المباشرة.

محمد خالد الخضر