قصص البطولة والإقدام والكرم أبرز معالم المضافة الحورانية

درعا-سانا

حافظت المضافة الحورانية القديمة على عادات الكرم واستقبال الضيوف وصنع القهوة العربية بشكل يومي كما تطورت عمرانيا وهندسيا من حيث الشكل و البناء والمواد المستخدمة جراء التطور العمراني السريع.

وكانت المضافة الحورانية تبنى من الحجر وسقف من الربذ أو القصب والحديد ذات شكل مربع أو مستطيل في مدخل المنزل وبفناء واسع ليستوعب أكبر عدد ممكن من الزائرين.

وقال السيد محمد الحسن 85 سنة أن سقف المضافة يحمل على قناطر حجرية ارتكازية تعتبر روعة في الفن المعماري القديم يعلوها القصب وفوقه التراب والطين في حين كانت جدرانها تطلى من الداخل بالطين أو الإسمنت تعلوه طبقة من الكلس الأبيض ويكون شكلها الداخلي على سوية واحدة ولها مقعد يمتد على طول الجدران الداخلية يقال له في حوران التواطي يبلغ ارتفاعه وعرضه نحو 80 سنتمترا.

وأضاف إن المضافة الحورانية تفرش عادة بالبسط أو السجاد أو اللباد الصوفي الملون وبعض جلود الأغنام في فصل الشتاء لتقي البرد كما تحتوي المضافة عند مدخلها وعلى أحد طرفيها خزنا جدارية تستخدم لوضع القهوة العربية والهال والسكر والفناجين والزبيب والبطم الذي يقدم عادة للزائرين أثناء السهرات وتستخدم بعض الخزن لوضع ملابس صاحب المنزل كالعباءة والفروة المصنوعة من جلود الأغنام والقمباز والبقدلية وهي ملابس حورانية تراثية فضلا عن النراجيل ولوازمها.

وبين محمد القاسم أن للمضافة الحورانية منافذ تهوية من كل جانب نافذة أو نافذتان يتوسط منتصفها مرجل حديدي أو ما يسمى بالمنقل المصنوع من النحاس بطول 1 متر وعرض 80 سنتمترا يوضع فيه الحطب المشتعل والمهدرج وفوقه دلال القهوة العربية وهي عبارة عن أباريق نحاسية سعة 2 إلى 3 ليتر وبكارجها وهي آنية نحاسية سعة لتر واحد ذات غطاء مقبب ومقبض أسطواني أو قوسي توضع فيه القهوة بعد غليها بالدلال ويوضع على المنقل أو بجانبه إبريق شاي كبير الحجم مصنوع من المعدن المطلي بالقيشاني الأزرق وعلى جانبي المنقل أيضا توضع فناجين القهوة والكاسات وطنجرة نحاسية يوضع فيها الماء لغسل هذه الكاسات والفناجين.

وأضاف إن البعض يستعيض عن المنقل في وسط المضافة بحفرة مستطيلة الشكل يقال لها النقرة وهي أكبر بقليل من المنقل محاطة بحجارة صغيرة منحوتة من جوانبها الأربعة بطول 1 متر وعرض 80 سم وعمق 15 سم يوضع بداخلها أيضا الفحم أو الحطب المشتعل.

وأشار أحمد المنصور إلى أن تحميص القهوة كان يتم عن طريق المحماسة وهي عبارة عن صحن نحاسي مقعر ودائري لها مقبض طويل 60 سم مزينة بافاريز ونقوش بنهايتها ثقب للتعليق مضيفا أن القهوة العربية كانت تقلب بواسطة ملعقة معدنية دائرية ورقيقة قطرها 10 سم لها مقبض إسطواني بطول 50 سم في نهايتها ثقب للتعليق أيضا وبعد أن يتم تحميص القهوة بالمحماسة ويصبح لونها أشقر مائلا للسواد تطحن وتدق بواسطة جرن خشبي يقال له المهباج وهو أسطواني الشكل قطره نحو 40 سم مزين من الخارج بافاريز محلى بالصدف الأبيض يبلغ ارتفاعه نحو 50 سم له فتحة علوية دائرية لوضع مادة البن أو حب الهال أو جوزة الطيب وتدق القهوة بواسطة مقبض خشبي أسطواني قطره 10 إلى 15 سم وطوله 60 إلى 70سم مزين بافاريز ونقوش جميلة لها نهاية هرمية تزينها من الأسفل أفاريز مرصعة بالصدف الأبيض.

ويثير دق القهوة العربية الشجون ويتفنن صاحب المضافة بالنقر عليه فيطرب كل من يسمع وهو بمثابة الداعي أو النذير للأقرباء والجيران والأصدقاء يخبرهم بقدوم ضيف عزيز.

ويشير أبو سامي أحد المهتمين بالتراث الحوراني إلى أن المضافة كانت تحتوي في أحد أركانها وعلى أحد الجدران البارودة والسيف العربي والربابة ويتدلى من وسط سقف المضافة حبل معدني يحمل قفصا زجاجيا بداخله مصباح زجاجي يقال له سراج يميل لونه للزرقة واستبدل فيما بعد باللوكس الأقوى نورا واستبدل كل هذا الآن بعد وصول الكهرباء كذلك يعلق خلف مدخل المضافة طبق من القش الملون بالألوان الزاهية والمصنوع من سوق القمح “القصل” وفي أطرافه شرابيش صوفية ملونة.

ويضيف إن السهرات في هذه المضافات تحلو في المناسبات حيث يجلس الجميع ويتبادلون أطراف الحديث ويسود الهرج والمرج والمرح وتقدم النصائح من قبل كبار السن والوجهاء المعروفين برجاحة العقل وسدادة الرأي مبينا أن سهرات المضايف لا تخلو من قصص البطولة والإقدام والكرم والشجاعة والتفاني والأمثال والعبر وكثيرا ما كانت تنتهي هذه السهرات بقصيدة نبطية أو قصة قديمة من أحد الحضور الذي يسمى بالقاص أو الشاعر يتم ترديدها مع العزف على الربابة وهي آلة مصنوعة من جلد الخروف ذات وتر واحد مأخوذ من شعر الخيل.

وتقال في المضافات الحورانية القصائد التي تحث على مكارم الأخلاق والنخوة ونصرة الملهوف وردع الظالم والمطالبة بالحق والحفاظ على الجوار والتشبث بالأرض.