التطرف في خدمة السياسات العدوانية.. بقلم: أحمد ضوا

فجأةً ومن دون مقدمات ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ولا تزال بأخبار وفيديوهات عن قيام بعض المتطرفين في عدد من الدول الأوروبية بحرق الكتب السماوية، تحت شعار حرية الرأي والانتقاد، الأمر الذي أثار غضب العالم من جميع الأديان، وخاصة على حكومتي السويد والدنمارك اللتين سمحتا لبعض المتطرفين بحرق القرآن الكريم.

تزامنت هذه الضجة مع قيام الولايات المتحدة الأميركية بتزويد الجيش الأوكراني بشحنة كبيرة من القنابل العنقودية المحرمة دولياً ، والتي استخدمتها القوات الأوكرانية ضد المدنيين والإعلاميين الذين ينقلون الحقيقة من الميدان.

بالتحليل المنطقي، هذا التزامن بين حدثين متباعدين من حيث الشكل والتعبير ولكنهما يؤديان إلى النتيجة نفسها، ليس عبثياً أو بالمصادفة، بل كان عملاً مخططاً، ويهدف في الأساس إلى التغطية على قيام واشنطن بتزويد كييف بالقنابل العنقودية.

في العلم العسكري تلجأ الجيوش والدول الخاسرة في الميدان أو التي تريد إذعان الدول الأخرى لقراراتها، إلى استخدام الأسلحة الفتاكة أو المحرمة دولياً، وهو ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية بقصفها مدينتي هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية، لإجبار اليابان على تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام والاستسلام كاملاً من دون أي شروط.

في الحالة الأوكرانية يدرك الجميع أن لجوء واشنطن إلى تزويد كييف بالقنابل العنقودية يعود إلى فشل الهجوم الأوكراني المضاد، وبالتالي فشل حلف شمال الأطلسي الذي يقود المعركة من الخلف، والذي قام بتزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية الكبيرة التي بلغت قيمتها نحو 200 مليار دولار حتى نهاية شهر أيار المنصرم، وفقاً لتقارير عسكرية أوروبية وأميركية.

من المعلوم أن الاستخبارات الأميركية على صلة وتأثير بوسائل التواصل الاجتماعي كذراع ضاربة في الحرب الناعمة، وأكبر دليل على ذلك ما يثار في الكونغرس الأميركي حول دور هذه الوسائل خلال فترة تفشي فيروس كورونا، ورفض أي محتوى يتعارض مع التوجيهات التي وضعتها الجهات الصحية في الدول الغربية  والتي تصب في نهاية المطاف في خدمة شركات صناعة الأدوية العالمية.

ولا يخفى على أحد توظيف الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة في أفغانستان ضد القوات الروسية ،وفي الحرب الإرهابية على سورية وفي ليبيا وفي مناطق عديدة من العالم، وتقوم الاستخبارات الأميركية بتوظيف المتطرفين بشتى أشكالهم وانتماءاتهم لتحقيق سياساتها أو تنفيذ سياساتها على أرض الواقع، والتزامن الدقيق بين حملة المتطرفين لحرق الكتب السماوية وتقديم واشنطن الأسلحة المحرمة دولياً إلى النازيين الجدد في أوكرانيا، ليس من قبيل المصادفة، ويحمل بصمات الجهات التي تدير شركات مواقع التواصل الاجتماعي والتي معظمها في الولايات المتحدة الأميركية.

إن اللافت أيضاً كان في تضامن وسائل الإعلام التقليدية الغربية مع حملة المتطرفين ضد الكتب السماوية، وهذا يؤكد حقيقة أن العملية منسقة من جهات سياسية وإعلامية، والغاية هي تضليل الرأي العام الغربي والأميركي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، ودفعه إلى عدم التركيز على مسألة الأسلحة المحرمة دولياً التي تم تقديمها لأوكرانيا.

إن اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قرار تزويد أوكرانيا بأسلحة محرمة دولياً يفتح الباب لمرحلة جديدة من الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية بين الغرب والشرق، من حيث المفاهيم والتوجهات المستقبلية لإدارة العالم، ومن المؤكد أن العواقب المترتبة عليه ستكون خطيرة إذا ما تطورت الأمور في اتجاه قيام الناتو بتزويد أوكرانيا بأسلحة إضافية محرمة دولياً.

في جوانب عديدة من الصراع الدولي بين الغرب والشرق يتزايد دور أدوات الحرب الناعمة على كل المستويات ،وما يحصل اليوم في أوكرانيا وخارجها وفي أماكن التقاء الخطوط الحمر في هذا الصراع يلاحظ أن الحرب الناعمة تتقدم على الحرب التقليدية، في محاولة لكسب المعركة وتغيير القناعات والأفكار والأولويات أيضاً، والحملات الدعائية والتضليلية التي تديرها الجهات المحركة لوسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة عموماً وشرق آسيا وحول روسيا خطيرة جداً ويجب مواجهتها بوسائل مماثلة وتعاون وثيق بين الدول الساعية إلى بناء عالم متعدد الأقطاب لا تحركه الهيمنة الغربية.

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency

انظر ايضاً

دعم واشنطن للعدوان الإسرائيلي.. وحساب الربح والخسارة!… بقلم: جمال ظريفة

لا وصف لما منيت به السياسة الأمريكية في الآونة الأخيرة بعد الانخراط بالعدوان على غزة …