«أقزام» الجنرال و«فانتازيا» رئيسه

سيجد الجنرال ديمبسي نفسه مضطراً لإحالة ما اكتشفه عن أقزام داعش إلى رئيسه أوباما، الذي كان قد سبقه باختراع فانتازيا المعارضة المعتدلة، وبينهما ركب طويل واصطفاف أطول على قائمة من الأحجيات الأميركية، التي غالباً ما تنتهي في قصاصات مؤجلة في أدراج السياسة الأميركية.

قد يكون الفارق بين الجنرال ورئيسه أن الأول كان يتحدث على مقربة من دوي المعارك التي أشعلتها أميركا في أكثر من موقع، فيما الرئيس يجول على عواصم، ويعتلي المنابر، ليحاجج في الذرائع الأميركية ثم ما يلبث أن ينسى أو يتناسى ما قاله أو يبتلعه حين تحتاج النفعية الأميركية إلى سحب كل ما قاله.‏

والفارق أيضاً أن الجنرال سيجد نفسه مضطراً لمنازلة الأقزام على ذمة رئيسه لسنوات طويلة، وبعض أركان إدارته يتحدثون عن عقود من المواجهة، فيما بعض أركان من سبقوه يتحدثون عن ثلاثين سنة قادمة على الأقل!!‏

في الاعتبار الحسّي ثمة من يطرح سؤالاً غير بريء، ولا يريده الأميركي أن يكون بريئاً حتى لو ثبتت براءته، ومفاده إذا كانت المواجهة مع أقزام تستدعي كل هذه السنين بحشد يتجاوز الأربعين دولة على ذمة الرئيس ذاته، ويبدي قلقه وخشيته من إضعافه إذا ما تعاون مع سورية !! كيف الأمر لو أن تلك المواجهة لا تجري مع أقزام جنراله ؟!!‏

لا نود التعليق، ولا ننتظر الإجابة التي لا تفيد في شيء، بدليل أن الأميركي الذي كذب الكذبة كان أول من صدّقها، وحاله في ذلك حال الكثيرين ممن استنفدوا كل الدروب المؤدية إلى واشنطن، بانتظار ما يتفتّق عنه النفاق الأميركي، ليكون المشجب الجديد لتعليق الفشل، بعد أن ترنّحت مشاجب بالجملة من ثقل ما حمّل عليها الأميركيون وأدواتهم الإقليمية والدولية.‏

المعضلة الفعلية ليست في أقزام الجنرال وفانتازيا الرئيس على ما فيهما وما عليهما، بقدر ما هي في المقاربات الخاضعة لكثير من التأويل والتي في أغلبيتها حمّالة أوجه، وذات استخدام مزدوج وفي أكثر من اتجاه، وعلى أكثر من صعيد، حيث الضرورات تبيح المحظورات، وتفكّ المصالح حين تحضر عرى التحالفات، وربما تتلاشى بعض الخصومات إن اقتضى الأمر.‏

لكن في المفهوم الأميركي ومع إدارة الرئيس أوباما ثمة مشكلة مزدوجة, جانبها الأول يتمثّل في غياب خطوط واضحة يمكن التعويل عليها، والثاني يتعلق بتعمّد الضبابية والغموض اللذين يتم تظهيرهما على شكل ارتباك دون أن يعني ذلك في العمق، بدليل أن أميركا الباحثة عن مصالحها وتقاطع تلك المصالح لا تتردد في نبش ما سبق لها أن لفظته وغالت في استبعاده.‏

والأمر ينطبق اليوم بفظاظة مدهشة على توصيفات الأميركيين وتبريراتهم وذرائعهم سواء ما يتعلق بأقزام الجنرال أم بفانتازيا الرئيس، وكلاهما يوصلان إلى النتيجة ذاتها، فإذا كانت المعارضة المعتدلة فانتازيا لماذا تبدو الخيار الوحيد لإدارة الرئيس أوباما؟! وإذا كانت داعش أقزاماً لماذا تحتاج إلى سنوات.. وربما إلى عقود لمواجهتها؟!.‏

قد يصعب فهم بعض الظواهر السياسية حين تنطلق على مسار دول مستجدّة على المسرح العالمي، في حين تصبح أحجية ومجموعة طلاسم حين يتعلق الأمر بدولة عظمى، وتتفرد في قيادة العالم على مدى أكثر من عقدين من الزمن، لكنها في الميزان الأميركي لا تحتاج إلى فك طلاسم ولا إلى حلّ ألغاز، لأنها عندما تقترن بالعجز وتتوازى مع الفشل تصبح واضحة للعيان.‏

أميركا بأقزام داعش أو من خلال فانتازيا المعارضة المعتدلة هي ذاتها التي تمارس فائض النفاق حتى آخره، وتدير دفّة الخراب والدمار في العالم حتى إشعار آخر، وبانتظار أن يصبح التفرّد بقيادة العالم جزءاً من الماضي، وأن يستقبل المسرح الدولي لاعبين جدداً كي لا يعود حكراً على الأميركي، علينا أن نرى مزيداً من بؤر الاشتعال ومزيداً من مشاهد التأجيج في كل الاتجاهات إلى أن تتبخر الأقزام.. وربما تغيب الفانتازيا..!!‏

بقلم: علي قاسم