محصول التفاح بين الميزة والمعاناة… السويداء نموذجاً

السويداء-سانا

في الاقتصاد للأرقام لغتها ورمزيتها التي تجعل النقاش محسوما لجهة الأهمية أو عدمها، وعندما نعلم أن زراعة أشجار التفاح تتصدر زراعات الأشجار المثمرة في محافظة السويداء بإجمالي مساحات مزروعة يصل إلى 15719 هكتاراً تضم 306 ر3 ملايين شجرة فإننا ندرك مدى الأهمية التي يحظى بها هذا المحصول لدى أبناء السويداء وأهميته بالنسبة للاقتصاد الوطني.. والسؤال.. هل يحظى هذا النشاط الزراعي بما يكفي من حماية ودعم من قبل الجهات المعنية؟.

ولا بد من الاشارة إلى أننا اليوم في نهاية الموسم وكل الإجراءات التي قد تتخذ ستكون موجهة للمواسم القادمة وربما تساعد في تسويق ما تبقى من موسم هذا العام فما هي ميزات هذا الموسم وما هي أهم العقبات التي تعترض مزارعي التفاح والتي لا بد أنها متشابهة بنسبة كبيرة بين جميع المحافظات.

الآفات الحشرية والأمراض تهديد دائم للمحصول

دودة ثمار التفاح وحفار الساق والنقرة المرة والبياض الدقيقي جميعها آفات تصيب شجرة التفاح وتؤثر سلباً في اقتصادية الإنتاج وتكثر شكايات الفلاحين من قلة الأدوية وعدم فعالية بعضها وغلاء أسعارها وفقدان بعضها، ورغم الوعود الكثيرة بإيجاد حلول إلا أن هذه الحلول تتأخر.

مديرية زراعة السويداء تقول إنها وضعت برنامج مكافحة متكاملة لآفات التفاح تم تعميمه على المزارعين عن طريق الوحدات الإرشادية بما يضمن تخفيف استخدام المبيدات الكيميائية والوصول إلى منتج نظيف فضلاً عن وجود لجنة لمراقبة المصائد في البساتين والإعلام بمواعيد المكافحة.

وعند السؤال عن أسباب انتشار الأمراض في ظل هذه الخطة الوقائية والعلاجية اعتبر مدير الزراعة المهندس أيهم حامد في تصريح لـ سانا أن المعالجة يجب أن تطبق بموعدها المناسب وبالطرق والوسائل اللازمة، ملقيا الكرة في ملعب الفلاح وعدم التزامه بالمواعيد المحددة.

رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية لتسويق الخضراوات والفواكه بالسويداء شحاذة قطيش أشار إلى أن آفة دودة ثمار التفاح تتطلب تضافر جميع الجهود لمكافحتها، مبيناً أن 39 بالمئة من ثمار التفاح التي استقبلتها الجمعية خلال موسم 2017 والبالغة 16 طنا ظهر عليها ما يسمى بـ السوس نتيجة إصابتها بهذه الآفة، عازياً ذلك إما لنوعية المبيد المستخدم أو عدم فاعليته أو لطريقة وتوقيت استخدامه الخاطئ.

وتبقى نسبة الإصابة مؤشراً سلبياً على نجاح هذه الزراعة وجدواها الاقتصادية فالآفة تصيب أكثر من ثلث المحصول وهذا بحد ذاته مصدر قلق يجعل السؤال مشروعاً حول جدوى خطة المكافحة ووسائلها.

المهندس الزراعي نضال أبو عسلي صاحب بستان للتفاح في منطقة ظهر الجبل أكد أن المشكلة ليست في فعالية المبيد المستخدم كونه استخدم مبيدات رخيصة ومع ذلك أعطت نتائج جيدة وإنما تكمن في اختيار المبيد غير المناسب للمكافحة وتنفيذها خارج مواعيدها المطلوبة.

وهناك رأي آخر أدلى به المشرف على عدد من المشاريع الزراعية بالسويداء المهندس المتخصص في مجال الوقاية عصام حديفة ألقى من خلاله اللوم على الظروف البيئية المناخية وخاصة ارتفاع درجات الحرارة الكبير كما حصل الموسم الماضي حيث أدى إلى تعديل نشاط وسلوك الحشرة وتراجع فترة تأثير المبيد لمكافحتها إضافة إلى عوامل فنية منها تأخر المكافحة أو تنفيذها دون خبرة.

ويُزرع التفاح في السويداء معظمه بعلاً وتتركز أماكن انتشاره في المناطق الباردة “ظهر الجبل وجبل عرمان وسالة وبوسان والمشنف والسهوة ومياماس ومفعلة وقنوات” وغالبيته من أنواع ستاركن وغولدن ديليشس ويمتاز بنكهة خاصة وطعم ولون مميزين وحلاوة مرتفعة وصلابة ثماره تعطيه قدرة تخزينية لفترة طويلة.

إنتاج وفير بمواصفات قياسية.. ماذا عن التسويق

مشكلة أخرى تتعرض لها زراعة التفاح تتعلق بالتسويق الذي تعترضه صعوبات عديدة حسب رئيس غرفة زراعة السويداء حاتم أبو راس أبرزها بالنسبة للتسويق الداخلي ارتفاع أجور النقل وأسعار العبوات واليد العاملة وعدم وجود سوق هال بالمحافظة لغاية تاريخه وقلة الكميات التي تتسوقها مؤسسات الدولة قياساً بكميات الإنتاج.

وحسب أبو راس فإن التسويق الخارجي التصدير ليس أفضل حالاً والصعوبات تبدأ بارتفاع أجور النقل وخاصة عن طريق البحر ولا تنتهي عند عدم وجود مراكز توضيب حديثة للمنتج ما يقلل قدرته التنافسية ويخفض الإقبال عليه من قبل التجار.

وعادة حسب أبو راس يتم تسويق المحصول بعدة طرق إما عن طريق المزارع مباشرة للسوق المحلية أو للمؤسسة السورية للتجارة أو الجمعية التعاونية المتخصصة بتسويق الخضراوات والفواكه أو بواسطة أحد المسوقين “الضمانة” الذي يقوم بشراء التفاح ثم يسوقه داخلياً أو يصدره خارجياً.

ويبلغ عدد وحدات الخزن والتبريد لحفظ التفاح بالمحافظة نحو 600 وحدة طاقتها التخزينية الإجمالية نحو 50 ألف طن ويسوق ما بين 45 إلى 50 بالمئة من إنتاج تفاح السويداء إلى الأسواق الخارجية وأبرزها مصر، فيما تسوق باقي الكميات في السوق المحلية بشكل طازج إجمالاً ويصنع منها قسم بسيط على شكل عصائر وخل ودبس.

حلول مرحلية لمشكلة دائمة

وفي محاولة لتجاوز عقبات التسويق أمام المنتج الأقل جودة أو المصاب بالآفات طرحت غرفة زراعة السويداء قبل أعوام تجربة إنتاج الدبس من التفاح والتي لاقت استجابة وأثبتت جدواها نظراً لقيمته الغذائية العالية والقيمة المضافة التي يحققها للمزارع وتم مؤخراً تشكيل لجنة للعمل على إقرار المواصفات العالمية لهذه المادة.

وحسب إحصائيات وزارة الزراعة تقدر المساحة المزروعة بالتفاح في سورية بـ 52 ألف هكتار تتركز في محافظات السويداء وحمص وحماة وريف دمشق ويبلغ عدد الاشجار 15 مليوناً و700 ألف شجرة المثمر منها 12 مليون شجرة وبلغ الإنتاج الإجمالي للتفاح العام الماضي نحو 309 آلاف طن.

الطبيعة تقسو على المزارعين.. كيف نساعدهم

مديرية زراعة السويداء قدرت إنتاج الموسم الحالي من التفاح بنحو 70 ألف طن أكثر من 50 بالمئة منها مصاب بالبرد ما جعل فرصه التسويقية أقل وسعره كذلك وهنا تبرز الدعوة لاستلام المحصول من قبل المؤسسة السورية للتجارة التي حددت الأسعار للاستلام خلال الموسم الحالي بين 90 و230 ليرة حسب الجودة كما تبرز المطالب بتفعيل العمل بشركة عصير الجبل.

مزارعو التفاح في السويداء ينتظرون خلال الموسم الحالي إيجاد حلول تسويقية فاعلة لتصريف إنتاجهم الذي تعرضت كميات كبيرة منه لأضرار البرد بما يجنبهم ابتزاز التجار ويبدد مخاوفهم التسويقية ويخفف عنهم أعباء الخسارة الكبيرة.

والمزارع فوزي بحة من قرية سالة قال “إن الضرر على محصول التفاح في القرية تراوح بين 60 إلى 70 بالمئة”، موضحاً أنه تم شراء المحصول المصاب من بعض المزارعين بأسعار زهيدة أقل من 50 ليرة من قبل التجار كما استجرت السورية للتجارة كمية قليلة بسعر تراوح بين 50 و90 ليرة للكيلوغرام.

الشكوى ذاتها نجدها لدى المزارع سليم خير الدين من بلدة الكفر الذي طلب المساعدة من قبل المؤسسة السورية للتجارة وشركة عصير الجبل التي طال انتظار تفعيلها بعد وعود كثيرة لم تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع.

رئيس الجمعية التعاونية لتسويق الخضار والفواكه بالسويداء أوضح أن كميات التفاح المتضررة بالبرد وغير المشوهة نسبتها جيدة ويمكن تخزينها لأطول فترة وتسويقها فيما بعد للحصول على سعر مجد لأن السعر المطروح حالياً للكيلوغرام الواحد من التجار يتراوح بين 50 و60 ليرة فقط، مبيناً أن الحل بالنسبة للتفاح المشوه هو تحويله من المزارعين أنفسهم إلى دبس وخل للحصول على قيمة مضافة.

الفلاح ينتظر الحل والمعنيون ينتظرون التعليمات

سانا توجهت إلى فرع المؤسسة السورية للتجارة في السويداء لتسأل عن إمكانية تسويق المحصول بغض النظر عن المواصفات وهناك بينت هيام القطامي مدير الفرع أن كمية التفاح التي تم تسوقها من المزارعين خلال الموسم الحالي بلغت 2481 طناً من الأصناف المختلفة، موضحة أن طاقة الوحدات التخزينية لدى الفرع تبلغ نحو 4500 طن غير أنه يمكن تسويق المحصول إلى باقي الفروع في المحافظات.

و لدى السؤال عن الحلول التسويقية المنتظرة مثل تفعيل شركة عصير الجبل تبين القطامي أن الفرع ينتظر تصديق عقد استلامها أصولاً من الجهات المعنية ليتابع عندها إجراءات تجهيزها بحيث تكون خلال الفترة القادمة جاهزة للعمل واستلام كميات جيدة من منتجات المزارعين.

الطبيعة كانت قاسية.. هل تحنو صناديق الدعم

وأثناء انشغالهم بكيفية تصريف الإنتاج ينتظر مزارعو التفاح دفع تعويضات الأضرار التي تعرض لها محصولهم خلال الموسم الحالي ولسان حالهم “الموعود ليس محروما”.

الأسئلة عن التعويضات حملتها سانا إلى معاون رئيس دائرة صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث بالسويداء المهندس فطين جمول الذي بين أن إجمالي المساحات المتضررة القابلة للتعويض تجاوز 95 ألف دونم في جميع مناطق الإنتاج وتم تجهيز جداول بأسماء مزارعيها المتضررين بناء على نسب الأضرار من تكاليف الإنتاج وتم رفعها للإدارة المركزية للصندوق للمصادقة عليها أصولاً وصرفها.

وخلال الأسبوع الماضي حولت مديرية صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية في وزارة الزراعة مبلغ 812ر123 مليون ليرة لصالح فروع المصرف الزراعي في شهبا وصلخد والقريا بمحافظة السويداء للبدء بصرف تعويضات أضرار البرد التي لحقت بالأشجار المثمرة والمحاصيل الحقلية خلال شهري نيسان وأيار من العام الحالي.

وأثناء عرضنا هذا الملف بين أطرافه المتعددة لمسنا أملا كبيراً لدى المزارعين والمعنيين بفكرة المجمعات التنموية والتي كان لمحافظة السويداء حصة منها، حيث صدقت رئاسة مجلس الوزراء على العقد بالتراضي المبرم بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك والشركة العامة للبناء والتعمير لتنفيذ أعمال الموقع العام للمجمع التنموي في منطقة حبران بكلفة مليار و362 مليون ليرة لتشجيع العمل الزراعي والصناعي المشترك في المحافظة بحيث يضم خط فرز وتوضيب متطورا بطاقة 40 إلى 50 طناً يومياً ووحدة تبريد مركزية وورشة كونسروة وصالات لشراء وبيع المنتجات الزراعية وستكون له في حال تنفيذه انعكاسات واضحة على تسويق محصول التفاح.

يذكر أن زراعة التفاح دخلت إلى محافظة السويداء في خمسينيات القرن الماضي على يد بعض المزارعين، علماً أن إنتاج المحافظة من ثماره خلال الموسم الماضي بلغ 33 ألف طن والموسم الذي سبقه 83 ألف طن.

وتشكل زراعة  التفاح في السويداء مصدر دخل لعدد كبير من أبنائها وتؤمن آلاف فرص العمل من داخل المحافظة وخارجها بدءاً من أعمال استصلاح الأراضي بهدف تحضيرها للزراعة وتأمين الغراس اللازمة من الأصناف المرغوبة والمناسبة مروراً بعمليات خدمة هذه الشجرة والعناية بها من فلاحة وتقليم ومكافحة وجني وتخزين وفرز وتوضيب وتأمين العبوات التخزينية والتصديرية اللازمة.

عمر الطويل

انظر ايضاً

تركيب منظومتين كهروضوئيتين جديدتين لمشروعين بالسويداء

السويداء-سانا أنهى فرع صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة في الشركة العامة لكهرباء …