الاصطفافات ما قبل الأخيرة- افتتاحية صحيفة الثورة

تزدحم القراءات والاستنتاجات في محاولة البحث عن حجز مقعد أو موضع قدم في الاصطفاف الذي يسبق اللحظة الفاصلة، وسط حراك سياسي وعسكري يترافق بضخ إعلامي ودبلوماسي نشط، في وقت تبقى فيه التمنيات تحكم الكثير من الخلاصات التي تحاكي من خلالها المشهد العام في إدلب، في ظل تباين حادٍ في الاجتهادات التي تقرّ علناً بصعوبة الوصول إلى أحكام نهائية حول مختلف السيناريوهات المحتملة، رغم المحاولات المحمومة أميركياً وتركياً لتدوير زوايا المواجهة، مضافاً إليها بعض التعديلات على المقاربة الأممية التي بدت حمَّالة أوجه.‏

فالواضح حتى اللحظة أن الميدان كان وسيبقى نقطة الفصل الأساسية التي لا تقبل الجدل، وإن ظلَّ التوقيت رهناً بتفسيرات مختلفة يصعب معها تجاهل ما وصلت إليه المداولات السياسية التي شكلت في كثير من الأحيان قصفاً تمهيدياً يقدِّم مؤشراته على اقتراب الحسم، أو في الحدّ الأدنى دنو ساعة الصفر التي تقرُّ مسبقاً أنها كانت وستبقى بيد الجيش العربي السوري، ومثلما تغيرت الحسابات والمعادلات في جولات سابقة فهي مرشحة اليوم لتعديل الكفة لكن بصورة نهائية، وخصوصاً أن الارتباط بين الحراك السياسي والميداني ينشط باتجاهات متناقضة رغم تسارعه في بعض الجوانب.‏

على الضفة المقابلة كانت الإدارة الأميركية تصرُّ على تصدُّر عناوين الحراك السياسي كما العسكري، حيث الوفود الأميركية التي جاءت إلى إسرائيل تبحث في بنك الأهداف التي تريدها إسرائيل من أي عدوان، وكما حصل في العدوان السابق كان بنك الأهداف قد تمَّ بصياغة إسرائيلية بحتة، بينما الولايات المتحدة وشريكاها البريطاني والفرنسي يتقاسمون تنفيذ العدوان، ويترافق على المستوى الدعائي بحديث أميركي يحذّر من أي استهداف للإرهابيين، والتلويح بفبركة ذريعة الكيماوي من أجل تنفيذ العدوان المتفق عليه مسبقاً، والمنسق مع الفرنسيين والبريطانيين ومن ينضم لهم لاحقاً، في وقت تحاول تركيا تبييض صفحة الإرهابيين عبر عودة حديث فصل الإرهابيين المتطرفين عن المعتدلين مرفقاً بتصنيف تركي يطول النصرة الإرهابي بعد طول تردد، وفي خطوة أخيرة تبدو حمّالة أوجه، وتلاقي الخطوة الأميركية في نهاية المطاف والتي تستهدف حماية الإرهابيين.‏

المشهد بهذه المقاربة يبدو أنه يسير على وقع تخمينات لا تخلو من محاولات مستميتة من منظومة العدوان للالتفاف على النهاية، ومحاولة الاستثمار السياسي فيها مهما تكن النتيجة، حيث تشير التقاطعات المختلفة إلى أن هناك إدراكاً بأن المعركة محسومة عسكرياً، والتداول الجاري اليوم هو حول تحديد الأعداد التي تلزم الأميركيين لتوظيفهم بمهمات في دول أخرى مقارنة بالحاجة التركية التي تتشارك فيها مع الأميركيين، لكن للتوظيف في الداخل التركي، والمتفق عليه أن تركيا بدأت بخطوات عملية بهذا الاتجاه عبر عملية الفرز المسبق.‏

إدلب ليست معركةً واحدةً فقط، ولا هي حسم عسكري فحسب، بل مركبة بأبعاد تتجاوز الحيّز الجغرافي، وتمتد إلى ما هو أبعد من السياسة والدبلوماسية، حيث الفعل هنا يحسم دور الإرهاب في سورية، وما يترتب على ذلك من إعادة اصطفافات سياسية وغير سياسية، وما يمليه من إعادة مراجعة للمواقف والحسابات وقواعد الاشتباك التي لا تتقاطع في بعض تجلياتها مع كل ما شهدته السنوات الماضية، بالتوازي مع الانعطافات الحادة التي تترتب بشكل تلقائي على المقاربة الإقليمية والدولية، التي ستظل مشدودة إلى أقدام الجندي العربي السوري وإلى بندقيته، وما تبقى ليس أكثر من رتوش تزيينية أو هوامش مفتعلة، قد تضيف هنا.. وقد تزيد هناك، لكن الحصيلة هي تلك الإحداثيات الميدانية التي ترسم خرائطها على وقع اندحار الإرهاب وفشل المشروع في جولته الحالية على الأقل.. فالقافلة تسير، وأصوات من تبقى تلهو بفتات ما يرمى لها..!!‏

بقلم… علي قاسم

انظر ايضاً

إجازة استثمار جديدة في قطاع النقل

دمشق-سانا منحت هيئة الاستثمار السورية إجازة استثمار جديدة في دمشق لمشروع نقل الركاب والمجموعات السياحية …