العراق.. الميدان البديل للعدوان.. والرد؟

عندما أطلقت شرارة الحريق العربي منذ أربع سنوات, كانت الخطة الأميركية المعدة لإعمالها في المنطقة قائمة على «استراتيجية الأقواس الثلاثة» التي تمكنها من تأمين هدفيها الاستراتجيين: أمن اسرائيل,
وتدفق النفط. ولاجل ذلك كانت وظيفة القوس الأول وهو قوس الإخوان الممتد من تونس إلى تركيا عبر ليبيا ومصر وغزة والأردن وسورية, كانت وظيفته حماية اسرائيل بتشكيل حزام أمني حولها يعزل اسرائيل عن أي نوع من المخاطر بعد أن يؤدي إلى تقسيم سورية بموجب القوس الإخواني ومحاصرة حزب الله السند بعزله عن العمق الإيراني وخسارته الظهير السوري.‏

لكن صمود سورية الاسطوري, ادى الى اخفاق اميركي في خطة الاقواس الثلاثة ما ارتد على ما كان انجز منها سابقاً، فتساقطت اوراق الاخوان في مصر, وترنحت ورقتهم في تونس وعجزوا عن فعل ما يناسبهم في ليبيا واضطرت حركة حماس الى مصالحة مع السلطة وبشروط السلطة ذاتها المتمثلة بالاعتراف باوسلو وما يستتبعها في الامن والسياسة, وبهذا الاخفاق العام للاخوان طويت خطة الاقواس الثلاثة, لكن لم تهزم اميركا كقوة كبرى, وهنا نقول سقطت الخطة واستمر المخطط ممسكاً بأوراق متنوعة تؤهله لاطلاق خطة بديلة.‏

وكان من المنطقي ان تعود اميركا الى الميدان السوري لاطلاق خطة الانقاذ الجديدة, وبالفعل نفذت خطة وهابية بديلة استمر العمل بها وبزخم كبير لاكثر من سنة ونصف ولكنها سقطت ايضاً، ويبدو ان استمرار الاندفاعة السورية المحصنة بدعم من محور المقاومة وتأييد من اصدقاء استراتيجيين في طليعتهم روسيا والصين ومعهما من تبقى من دول البريكس ودول انظمة التحرر العالمي, هذه الاندفاعة حالت دون وضع خطة اميركية اخرى في سورية لا بل افرغت يد المخطط من اوراق كان يؤمل ان يلعبها على المسرح السوري في الميدان والسياسة, فالانتخابات الرئاسية السورية طوت صفحة بيان جنيف الورقة -الخدعة التي شاءتها اميركا طريقاً لتسليم عملائها الحكم في سورية فيما يشبه الاستسلام السوري..والانجازات الميدانية بدءاً من جبهة لبنان وتمدداً نحوالشمال الى كسب والى الجنوب نحو حوران,ما حرم اميركا من ورقة الضغط الارهابي جعلت المشهد ينبئ بشكل قاطع ان الميدان السوري لن يكون ملائماً لتنفيذ خطط اميركية جديدة تستند, وان جلّ ما يمكن ان تفعله يد الارهاب في سورية هوانزال خسائر هنا وهناك دونما تغيير في وجهة الميدان اواحداث انقلاب في نتائجه.‏

على ضوء ذلك كان من المتوقع ان تختار اميركا احد طريقين : التسليم بالخسارة والتحول الى سياسة تحديد الخسائر والبدء بمفاوضات جدية مع الفاعلين في المنطقة لتأمين تراجعها الآمن، او اختيار ميدان بديل واعتماد خطة هجوم جديدة تعوض اوتحجب الخسارة في الميدان السوري.‏

بين الحلين اختارت اميركا كما يبدوالحل الثاني,حيث وجدت فيه سبيلاً يعيد تحشيد اتباعها في المنطقة خاصة السعودية وتركيا وقطر يتخطى خلافاتهم التي نشبت بعد سقوط قوس الاخوان, ويعيد بناء جبهة متماسكة قادرة على انزال الهزيمة بمحور المقاومة بعد تغيير ميدان العمل, وتنفيذاً لهذا الخيار كان التوجه الى العراق الذي تتجمع فيه مصالح الاطراف الرئيسية الثلاثة المتقدمة الذكر بقيادة اميركية حيث ان النجاح في الميدان العراقي يوفر لهم:‏

– القضاء على العراق الموحد المتبني سياسة وطنية متناغمة مع محور المقاومة, ودفعه الى احد خيارين : التقسيم واقامة دولة وهابية في وسطه تشكل خرقاً سعودياً يمنع تقلص الفضاء الاستراتيجي السعودي الذي بدأ على اكثر من اتجاه, اودفع العراقيين للقبول بتجاوز نتائج الانتخابات الاخيرة والقبول برئيس حكومة ترضى عنه السعودية وتركيا مع استبعاد كلي للرئيس نوري المالكي المدعوم برأيهم من ايران.‏

– كسر قوس المقاومة الممتد من ايران الى شاطئ المتوسط, ما يعوض اخفاقهم في كسره في سورية التي صمدت بوجه العدوان ودفعت المعتدي الى الاحباط واليأس من اعادة تنفيذه على الارض السورية.‏

– تشكيل قاعدة ضغط ميداني على سورية بعد سقوط جبهة الغرب مع لبنان وترنح جبهة الشمال مع تركيا وجمود جبهة الجنوب مع الاردن واسرائيل, ضغط يمكنهم كما يتصورون من حرمان سورية من استثمار نجاحها في الميدان والسياسة ويضطرها الى التراجع لمصلحة جبهة العدوان.‏

– ارباك ايران عبر حدودها مع العراق والتحضير لاستقبال ايرانيين معارضين للنظام القائم, ثم اشغالها على خط حدودي لا يقل عن 250 كلم ما يجبرها على الاختيار بين الانزلاق الى الميدان العراقي مع ما يسبب لها من احراج على اكثر من صعيد، اوالدفاع عن نفسها انطلاقاً من اراضيها دونما تجاوز ما يمس بهيبتها ويحرمها من جزء من فضائها الاستراتيجي الطبيعي.‏

وعليه يبدو الميدان العراقي يجمع مصالح مكونات جبهة العدوان كلها ( اميركا والسعودية وتركيا وقطر ) ويمس بمصالح مكونات محور المقاومة كلها, لذا حشد له هذا الكم المتنوع من الطاقات البشرية والمادية والمعنوية, خاصة وان اصحابها باتوا ينظرون الى الامر وكأنه الورقة الاستراتيجية الاخيرة التي يمكن ان تلعب في وجه محور المقاومة وعلى هذا الاساس ينبغي ان لا ننتظر اونتوقع من اميركا اواي طرف من اطراف جبهة العدوان المساعدة في تقديم دعم للدولة الوطنية العراقية من اجل انهاء هذا العدوان, فمثل هذا التوقع انتحار.‏

ومن المفيد ان نذكر من يتصور ان الاتفاقية الامنية العراقية الاميركية, هي التزام اميركي بالمحافظة على المصالح الامنية العراقية، ونحن قلنا منذ توقيعها بأنها مدخل تريده اميركا للتدخل في العراق بشروطها هي ومن اجل مصالحها هي، وها هي المواقف الاميركية اليوم بعد الطلب العراقي – ونحن لا نوافق على هذا الطلب مطلقا – الطلب بمساعدة عسكرية اميركية ضد داعش ترفض الاستجابة بحجة انها لا تدعم طائفة ضد طائفة ونسيت ان من يطلب هوالدولة، ويجب ان يستخلص العراق العبر من ردة الفعل الاميركية هذه ويبادر الى مراجعة الاتفاقية في اول فرصة تمكنه من ذلك.‏

كما انه من المفيد ان نفهم جيداً كيف تنظر اميركا الى العراق, على اساس انه تجمع طوائف وليس دولة وطنية, فهي بعد ان صاغت له دستوراً ينقله من الدولة الموحدة الى الدولة الاتحادية المفككة, تخاطبه الان عبر طوائفه وليس عبر شعبه وهذا ما كرره اوباما اكثر من مرة في موقفه الاخير من قبيل قوله « بوجوب بدء حوار بين طوائف العراق « اوقوله ان « لدى السنة شعور بالتهميش» وغيرها من عبارات السموم الطائفية التي يتقن الاميركي بثها.‏

وعلى هذا الاساس نرى ان مواجهة الحالة المستجدة في العراق وهي لا تقل بخطورتها عن خطط عدوانية سبق اعمالها خلال السنوات الاربع الماضية في سورية، ان المواجهة هذه تستوجب :‏

1) تحديد دقيق للصديق والعدو، ورفض اي نوع من انواع التدخل العسكري الاميركي في العراق ( وعلى أي حال اعلن اوباما رفضه العودة الى أي دور قتالي في العراق), وينبغي ان تمتنع العراق ايضاً عن التعويل على دور اميركي ايجابي لمصلحة الدولة العراقية فاميركا ان دخلت لن تطفئ ناراً بل ستزيدها اشتعالا.‏

2) عدم وقوع ايران اواي من مكونات محور المقاومة في الفخ الذي نصب لهم في العراق, فكما نجت ايران من فخ افغانستان سابقاً ومن فخ البحرين ايضاً، ينبغي ان تتفلت من فخ العراق, وتتخذ من التدابير ما يمنع انزلاقها عسكرياً الى ميدانه وما يؤكد حضورها ودعمها لوحدته وقرار شعبه بعيداً عن الاملاء الاميركي – السعودي – التركي, وعلى اي حال لدى محور المقاومة ميادين واسعة خارج العراق للرد على هذا العدوان دفاعاً عن العراق وعن النفس.‏

3) استفادة سورية من الظرف والمبادرة قبل تشكل القاعدة الشرقية للارهاب، وتكثيف العمل على جبهات العمل البعيدة عن جبهة الشرق لحسمها والتفرغ بعدها للجبهة الشرقية بالتناغم مع القوات العراقية الوطنية.‏

4) اما العراق فيقع عليه الدور الرئيسي في المواجهة لانه مهدد الان في وحدته وقراره المستقل و نرى ان قدراته كافية للرد على العدوان الذي يستهدفه اذا احسن استعمالها وعليه ان يعتني اولاً بتعطيل الفتيل المذهبي الذي يسعى المعتدي الى استغلاله خاصة وان من قيل انهم بيئة حاضنة لداعش بدؤوا يتبرمون منها.‏

ويستوجب الرد العراقي المطمئن للنتائج اموراً لا بد منها تبدأ بالعمل بنتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة وحسم الموقع الاستراتيجي للعراق في المعادلة الاقليمية ورفض التدخل الاجنبي كلياً، وتشكيل القوى العسكرية الوطنية اللازمة للمواجهة رغم ان هذا التشكيل قد يستلزم وقتاً لابأس به من تنظيم وتدريب وتجهيز, وبانتظار ذلك استعمال الامكانات المتوفرة لمشاغلة القوى المعتدية لمنع استقرارها اولاً ومنع تسربها وتمددها الى مناطق جديدة, ونرى فيما تم حتى الان من تدابير ميدانية وسياسية ومواقف فقهية عناصر ايجابية في مواجهة يؤمل نجاحها.‏

بقلم: أمين حطيط