في عربين.. أطفال هدد الإرهاب أحلامهم

ريف دمشق-عربين-سانا

يتكئ أطفال وشبان صغار بأجسادهم الغضة بلا أحلام على ما تبقى من سور حديدي حول بحرة مهشمة فقدت جمالها في ساحة المحطة وسط بلدة عربين بالغوطة الشرقية التي تخطو على طريق الامل باستعادة مكانتها السابقة كمدينة حيوية بعد ان غادرها آخر ارهابي في الـ 31 من آذار الماضي.

في يوم ربيعي من نيسان الجاري تبدو المدينة مجردة من ملامحها كإحدى بلدات الغوطة الشرقية لا شجرة يانعة في الطرقات ولا أزهار تتدلى من شرفات أبنية طابقية تنتصب على شوارع عريضة تحيط بساحة المحطة في عربين.. أطفال بأعمار متفاوتة وابتسامات مبتورة يتحدثون احاديث الكبار الناضجين وتغيب قصص أيام الدراسة والشغب والاحلام بعد تركهم لسنوات مقاعد الدراسة بسبب الارهاب الذي استوطن المدينة فترة من الزمن قبل أن يغادر إلى غير رجعة.

محمد سلمان 14 عاما بملامح وجهه الدقيقة وبشرته الناعمة ترك المدرسة من الصف السابع يقول بهدوء شديد كعجوز خبر الحياة مبادرا مراسلة سانا الكلام .. عندما دخل الجيش العربي السوري عربين “تنورت ساحة المحطة.. لا نتمنى أن يبقى اي ارهابي في عربين وتعود الغوطة الشرقية متل ما كانت .. غير الجيش ما منقبل والإرهابيين يطلعوا برا”.
ويضيف وقد جلس القرفصاء ممسكا بيمينه قضبان سور البحرة.. “كنا محاصرين من قفا الإرهابيين.. جوعونا.. طعمونا شعير كل المدنيين بيتمنوا الجيش يبقى”.

أما عن حلمه بمتابعة تحصيله العلمي حال فتح المدارس أبوابها في عربين فيجيب محمد دون حماس..” سأرجع الى المدرسة وادرس حتى البكالوريا”.

محمد رنكوسي 17 عاما ينتظر في الساحة مجيء أخيه العسكري من درعا سيراه بعد سبع سنوات من الغياب القسري يتحدث عاقدا يديه الى صدره بمشاعر باردة دون أي ردة فعل عاكسا شخصية في عمر الأربعين قائلا “حلمنا نخلص من الهم كل واحد يرجع إلى بيته” ملقيا نظرة على من في الساحة قبل أن يجيب عن سؤال كنت تخاف من الارهابيين ” ليس من أحد لم يكن يخافهم.. شايفي الناس كلهم كانوا يخافوا .. لما يعلقوا الإرهابيين ببعضهم.. يختلفوا على شغلة بسيطة.. يأكلها المدنيون ولا طالع بإيدنا إسكاتهم ولا نوقفهم عند حدهم” وعن العودة إلى المدرسة مجددا “سنرجع .. نعيد من أول وجديد .. التعليم ما كان ظابط” ودون مبالاة ” يقول عند سؤاله عن حلمه في المستقبل.. “لا شيء”.

خلال سنوات الحرب لم ينقطع دعم الحكومة للقطاع التعليمي في بلدات الغوطة الشرقية سواء بإرسال مستلزمات العملية التعليمية من كتب وقرطاسية عبر قوافل الهلال الأحمر العربي السورية التي كانت تدخل بصورة متواترة بما في ذلك المواد الغذائية والطبية للاهالي الذين كانت تحاصرهم التنظيمات الإرهابية ومنح رواتب المعلمين بشكل منتظم ومحاولات إخراج طلبة شهادتي التعليم الاساسي والثانوي الى دمشق لتقديم امتحاناتهم.

ويقول أحد الضباط عند ممر مخيم الوافدين شمال شرق مدينة دوما إنه في أول كل شهر كانت تخرج نحو 1500 معلمة الى دمشق لقبض رواتبهن من دمشق.

وعطلت التنظيمات الإرهابية التعليم في الغوطة الشرقية ومنعت في السنوات الأخيرة خروج الطلبة لتقديم امتحانات الشهادتين التعليم الأساسي والثانوي واتخذت من المدارس منصات لاعتداءاتها الارهابية ومستودعات للاسلحة والذخيرة واستهدفتها بشكل ممنهج.

“تاجر بقر” هذا ما يخططه الطفل “ياسر الشبلي” لمستقبله.. الفتى ذو الـ 14 ربيعا .. يتحدث بكل بساطة ” أقنعونا نصير إرهابيين” مستدركا بسرعة بديهة وذكاء يشع من عينيه اللوزيتين الخضراويين بعد أن رأى دهشتي من كلامه.. “هيك كانوا يدرسونا بالجامع . . قاتلوا أعداء الله .. الساكنين بالشام كفار”.

يسكن ياسر في حي الجوازة مع عمته بعدما خرج والداه وأخته قبل عدة سنوات إلى المشفى لمعالجة أخيه الأصغر ومع محاصرة الإرهابيين لعربين لم يتمكن من لقاء أسرته يضيف الفتى متحدثا بثقة ” لم نقتنع بما يقولونه.. أهلي بالشام ..أمي وأختي وأبي كيف يمكن لي قتلهم “ويردف بطريقة متهكمة وحزينة ” على أساس علم وتدريس .. خربوا البلد وهربوا.. حرقوا السيارات وبيتنا قبل رحيلهم .. أحسن ما ياخدوه الكفار”.

يتمنى ياسر ان يعود الى المدرسة “ليتعلم العلم الصحيح” أما حلمه بالمستقبل فهو أن يكون تاجر بقر ” ليطعم الناس الحليب واللبن والجبنة” وبعد الإصرار على أن يغير حلمه يقول ” أي شيء أخدم فيه وطني.. مهندس طبيب أعالج المرضى بعربين”.

ويشكل توقف الأطفال عن مواصلة تحصيلهم العلمي في الغوطة الشرقية هاجسا لدى الحكومة وبعد أقل من أسبوعين من اعادة الجيش الامن والأمان إليهما افتتحت وزارة التربية اربع مدارس فى بلدة كفر بطنا واثنتين فى بلدة سقبا حيث سجل عودة 12 الف طالب وطالبة الى مقاعد الدراسة في مدارس سقبا وكفر بطنا إضافة إلى مراكز الإقامة المؤقتة في الحرجلة والدوير.

وبذكائها تدرك تسنيم الخراشي 12 عاما طفلة شقراء متوردة الخدين الجواب وتقول بحماس شديد عما تفكر أن تفعله “سأذهب إلى المدرسة فورا .. أحب أن أدرس إلى أعلى درجة وأصبح أحسن دكتورة عيون بكل البلاد”.

تشي عربين رغم ما لحق بها من أذى أنها كانت مدينة مزدهرة قبل تحويلها إلى معقل لتنظيمات إرهابية تكفيرية .. المدينة الواقعة على بعد 7 كم إلى
الشمال الشرقي من العاصمة دمشق تشكل عقدة وصل لمدن وبلدات عدة في الغوطة الشرقية حرستا من الشمال ومديرا وحمورية من الشرق وحزة وكفر بطنا من الجنوب وزملكا وحي القابون الدمشقي من الغرب وهي منطقة زراعية اشتهرت ببساتينها واشجار اللوز وصناعية بوجود معامل الكونسروة ومعمل الخميرة وتنشط بتجارة بالمفروشات والموبيليا وتربية المواشي.

شهيدي عجيب

انظر ايضاً

مزارعو الغوطة الشرقية يعيدون الحياة لأكثر من 5600 هكتار من أرضهم