التعالي على الجراح كرمى للوطن.. شيمة ضباط وعناصر الجيش وقوى الأمن في تعاملهم مع الإرهابيين المنهزمين في الغوطة الشرقية

دمشق-سانا

تصل حافلة من بلدة عربين تقل إرهابيين من تنظيم ما عرف بـ “فيلق الرحمن” إلى حاجز للجيش وقوى الأمن بالقرب من مبنى الموارد المائية في حرستا شمال شرق دمشق.

الإجراءات المتبعة تقضي بتسجيل الأسماء ومفصل الهوية وتفتيش الإرهابيين وحقائبهم في احتكاك مباشر بين ضباط وعسكريين وعناصر الأمن مع من كان قبل أيام يقاتلهم وزملاءهم على جبهات جوبر وعربين وزملكا وعين ترما وغيرها من بلدات الغوطة الشرقية ويقصف بالقذائف أحياء سكنية داخل دمشق ومحيطها أو لربما خطف قريبا أو ابن جيران قبل التوصل منذ أسبوع إلى اتفاق تسوية يقضي بإخراج الإرهابيين الرافضين للتسوية مع عائلاتهم إلى إدلب شمال البلاد.

متحليا بدرجة عالية من ضبط النفس وبعبارة ودودة ترد عفويا على أفواه معظم السوريين في تواصلهم اليومي “وحياة غلاوتك.. لرجعلك ياها متل ما كانت” يقول ضابط امن متوجها بالكلام لأحد الإرهابيين الذي تذمر من عملية تفتيش حقيبته اثناء توقف الحافلة التي تقله مع العشرات عند حاجز التفتيش عند ممر عربين.. متناسيا كل أفعاله الإرهابية .. ومترفعا عن إهانته أو توبيخه ينفذ الضابط مهامه وتعليمات قيادته بكل مسؤولية.

ويقول ضابط الأمن مفضلا عدم التصريح عن اسمه في رد مقتضب على تساؤل مراسلة سانا عن حالة البرود بالتعامل مع استفزازات الارهابيين بينما يواصل الإشراف على عدد من عناصر الأمن وهم يتابعون عملية تدقيق وتفتيش حقائب اصطحبها معهم الإرهابيون وعائلاتهم.. “ننفذ تعليمات قيادية ونترفع بعدم الرد عن أي تجريح صادر عن إرهابي بالتجاهل أحيانا وامتصاص الحالة أحيانا أخرى لأن هدفنا من كل هذا الجهد هو إعادة الأمان والأمن لملايين الناس في دمشق”.

ولليوم السادس على التوالي تستمر عملية إخراج الإرهابيين وعائلاتهم من حي جوبر وبلدات عربين وزملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية “جبهات القتال” سابقا الواقعة إلى الشرق من دمشق وتجاوز العدد في الدفعات الخمس التي خرجت الـ 25 الف شخص بينهم ما يقارب 5500 ارهابي وجاء ذلك مباشرة بعد إخراج إرهابيي ما يسمى حركة “أحرار الشام” وعائلاتهم من مدينة حرستا شمال شرق دمشق ضمن اتفاق تسوية تخلله خروج 4884 شخصا بينهم 2085 إرهابيا دون تسجيل أي حالة فردية لصدام أو شجار مع الإرهابيين الخارجين.

يقضي ضباط وجنود في الجيش والأمن ساعات النهار والليل بجوار الإرهابيين منذ لحظة وصول الحافلات التي تقلهم إلى أقرب حاجز مجاور للبلدات التي يتواجدون فيها وحتى إيصالهم إلى آخر نقطة يتواجد فيها الجيش على الحدود الإدارية لمحافظتي حماة وإدلب دون تسجيل اي حالة صدام أو تراشق في الكلام حتى على المستوى الفردي عاكسين صورة قوة المؤسستين العسكرية والأمنية بالانضباط كعنصر جوهري أثبت قوته على مئات الجبهات التي خاضها الجيش في قتاله الارهابيين على مدى السنوات الماضية.

ويقوم الإرهابيون باستفزازات متكررة يوميا أثناء عملية الخروج تصل إلى الاعتداء المباشر كما حدث في اليوم الاول لدى خروجهم من عربين باطلاق النار على نقاط للجيش في حي جوبر وقذيفة على صالة الفيحاء الرياضية ما إدى إلى استشهاد طفل وإصابة 7 أطفال فضلا عن الاستفزازات بالعبارات النابية والاشارات ذات الإيحاءات المهينة بينما يكتفي عناصر الجيش والأمن بالرد على هذه الاستفزازات برفع إشارة النصر .. وقد تتطور في حالات محدودة إلى الهتاف لسورية وجيشها وقيادتها.

على مسافة أكثر من كيلومتر تتوقف ما يقارب المئة حافلة على اوتستراد حرستا بانتظار اكتمال القافلة لاعطاء اشارة الانطلاق باتجاه إدلب وخلال هذا الوقت يخرج إرهابيون وبعض عائلاتهم بين الحين والآخر من الحافلات دون الابتعاد عنها على مقربة من عناصر الجيش والأمن وفي مشهد لافت تكرر في أكثر من منطقة شهدت تسويات نجد أحد الضباط في لحظة تفوق للانسانية وحضور الوطن الجامع وروح التسامح يحاول إقناع أحد الإرهابيين بالعدول عن الخروج وتسوية وضعه مع الجهات المختصة والعودة إلى حياته الطبيعية ويقول مفسرا ما قام به” إننا بالنهاية جميعنا سوريون وهذه الحرب كانت لزرع التفرقة بين ابناء الوطن الواحد وكما انتصرنا على الجبهات بالصمود والقتال ..بالتسامح نعيد بناء ما تهدم”.

وعن هذا المشهد يتولد مشهد آخر حيث ضابط يتقدم باتجاه عدد من الإرهابيين ملقيا في حقيبة الماضي ما حفظه في ذاكرته ومشاهداته الحية من اعتداءاتهم يسأل استجابة لرغبة أب لمخطوف وقف على مقربة من الحافلات إن كان لديهم ما يفيدونه عن مكان احتجاز ابنه أو معرفة إن كان حيا أو استشهد.

الرقيب بشار من الأمن العسكري يرافق حافلات الإرهابيين وعائلاتهم إلى إدلب منذ أسبوع لا يساوره أي شعور بالحقد كما يقول ” نحن لا نحقد .. المهم تنام الناس بالشام مرتاحة .. كان بامكاننا محاربتهم حتى يستسلموا لكن لدينا أوامر وننفذها بدقة”.

ويشير بشار الذي رافق سابقا خروج إرهابيي “جبهة النصرة” من بلدة عرسال اللبنانية عبر الاراضي السورية الى ادلب الى ان أكثر الاستفزازات التي يتعرض لها عناصر الترفيق الأمني للحافلات تهديد ووعيد بعض الارهابيين “راجعيلكن ” لكن الرد الأرقى يكون “نحنا ناطرينكن بأي جبهة”.

ويتذكر بشار كيف تلقف طفلة أحد الإرهابيين على اوتستراد طرطوس ملبيا نداء بالمساعدة من قبل سائق إحدى الحافلات واوصلها الى مسعفي الهلال الأحمر حيث كانت تعاني من ضيق بالتنفس عائدا بها مرة أخرى إلى والدها وعند سؤاله إن كان تبادل معه الكلام.. “قال لي.. شكرا.. فقلت له.. من يوم يومنا نحنا أخوة بس انتو عاديتونا”.

تقترب الساعة من الحادية عشرة ليلا وأحد الضباط يعطي أمرا بتحرك القافلة بينما كان لا يزال عدد من الإرهابيين واقفين إلى جوار حافلتهم يتقدم منهم أحد عناصر الترفيق الأمني قائلا.. “شباب.. يالله عالباص” انتهى المشهد.

شهيدي عجيب

انظر ايضاً

مزارعو الغوطة الشرقية يعيدون الحياة لأكثر من 5600 هكتار من أرضهم