خطيئة الإبراهيمي في العراق.. ومخططه في سورية

عجيب أمر وسطاء الدمار وعرّابي الخراب واليباب في العالم العربي، فبمجرد أن يخرج الواحد منهم ـ غير مأسوف عليه ـ من المشهد السياسي والعسكري في دولة عربية إلا ويبدأ في سرد الذكريات واستحضار العبر وتحبير المذكرات كأنها مواضيع ومسائل غير ذات علاقة بالواقع المأساوي العاصف بوطننا العربي.
عجيب أمر هؤلاء عندما يصور الواحد منهم نفسه على أنه «صاحب الحكمة المطلقة وذو المقاربات التخليصية» وحين يطبع كل الفاعلين معه بأوصاف الغباء وقلة الحيلة.. شاهد الكلام كامن في وقوف السيد الأخضر الإبراهيمي على أطلال العراق المثخن بالدماء والدمار بسبب الإرهاب، واصفاً ما يجري في بلاد الشام والعراق بالكارثة التي تهدد منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي برمته.
فعندما يتحدث صاحب أطروحة «تقسيم السلطة على الطوائف» وصاحب تفتيت الدول وفق «الملل والنحل»، عن خطورة الطائفية في العالم العربي فلا بد من الوقوف ملياً عند تصريحاته ويصبح من الضروري استحضار شواهد التاريخ القريب.
من اتفاق الطائف في لبنان سنة 1989 إلى «اتفاق تقسيم السلطة» في العراق بُعيد احتلال أرض الرشيد عام 2003 وبينهما اتفاق تفريع الدولة على القوميات الأفغانية في أفغانستان إثر احتلال البلاد في 2001، كان الأخضر الإبراهيمي دائماً الوسيط الدولي المفضل وكان دائماً وفياً لمقولة إرضاء الطوائف بـ«إسقاط الدولة» ومرتبطاً شديد الارتباط بعبارة تشتيت الدولة المركزية عبر خلق مؤسسات طائفية تتحول سريعاً إلى «دول مصغرة داخل الدولة».
لا يمكن الحديث اليوم في العراق عن طائفية سياسية أو دستورية أو قانونية دون التطرق إلى مأسسة الطائفية التي زرع بذورها الأولى السيد الأخضر الإبراهيمي وأمّن تجذيرها الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر.
ولا يمكن أيضاً القفز إلى النتائج دون التوقف عند الأسباب العميقة للمجازر والانتهاكات التي تقترف باسم «الطائفية الغرائزية» أو للخطاب السياسي لدى البعض ممن اختزلوا الوطن في القبيلة والعشيرة وممن ابتسروا «الوطن» في المذهبية المقيتة.
نفس المشروع «الإبراهيمي» الطائفي كان يراد له أن يخطو خطاه في سورية، وكان الهدف الأول لذات القوى الغربية والأعرابية التي استحلت العراق واستباحت البلاد والعباد طوال عشرية سوداء هو ضرب مؤسسات الدولة السورية واستهداف الوطن الجامع والمانع السوري عبر «سرطان الطائفية».
ورسمت في هذا السياق خرائط وخطّت لهذا الغرض جغرافيات وحبّرت تسميات جديدة لدول «الهويات القاتلة» في أرض الشام.. ولم يكن مطلوباً من السيد الإبراهيمي سوى تكرار المشهد العراقي واللبناني والأفغاني في سورية وتحويل الشام من لاعب إقليمي قوي في المنطقة والعالم إلى ملعب للقوى الأصيلة والوكيلة والبديلة في الشرق الأوسط.
عبارة واحدة كانت تجول في عقل السيد الإبراهيمي في كل زياراته إلى دمشق وهي ضرب الدور عبر «إسقاط الدولة» وإعدام الوحدة الوطنية عبر إحياء الطائفية والعشائرية.
لسنا في وارد التحامل على الرجل ولكن القارئ للعقل الاستراتيجي للإبراهيمي قادر على استبطان محددات القرار والخيار في عقل الوسيط الدولي.
رفضت سورية «هدنة» لحرب استنزاف على أرضها ستتحول – وفق المخطط الغربي – إلى تأييد لاحتراب بين أبنائها وداخل جغرافيتها من خلال استدعاء لـ«صراعات» التاريخ والإيديولوجيا.
اختار سورية الدولة والدور، وطناً بلا عرقيات ولا إثنيات ولا هويات قاتلة اجتبت وطناً يحمي الاختلاف ويصون التباين ويؤمّن التواصل والتعايش المشترك.. وهذا سبب من أسباب تقاطر الملايين على صناديق الاقتراع في الاستحقاق الرئاسي السوري.
وفي العراق وصفة العبور غير كامنة في استرضاء الطوائف من خلال توسيع كعكة المشاركة السياسية وزيادة صلاحيات الإدارة الذاتية.. ولكنها مستجدة فقط في إحياء العراق الموحد دستورياً وقانوناً ومؤسسات.. تلك هي خريطة السلامة قبل الوقوع في الندامة.
بقلم: أمين بن مسعود