الرئيس الأسد لقناة روسيا اليوم: حلم الدول الغربية وبعض الدول الإقليمية بتقسيم سورية لا يمكن أن يقبل به السوريون- فيديو

دمشق-سانا

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن هجوم تنظيم داعش الإرهابي على مدينة تدمر بريف حمص الشرقي يأتي ردا على تقدم الجيش العربي السوري وانتصاراته في حلب.

وقال الرئيس الأسد في مقابلة مع روسيا اليوم: أرادوا أن يقوضوا انتصار الجيش في حلب وفي الوقت نفسه تشتيت تركيز الجيش العربي السوري على حلب لدفعه للانتقال الى تدمر ووقف تقدمه لكن ذلك لم ينجح.

وأضاف الرئيس الأسد ردا على سؤال حول مطالب ست دول غربية وقف إطلاق النار في حلب، دائما في السياسة يجب أن نقرأ ما بين السطور وألا نتقيد بالنص الحرفي للرسالة، ليس المهم ما يطالبون به،هم ضمنيا يقولون لروسيا نرجوكم ان توقفوا تقدم الجيش السوري ضد الإرهابيين، لقد ذهبتم أبعد مما ينبغي لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين وهذا ما ينبغي ان لا يحدث ..ينبغي ان تخبروا السوريين بأن يوقفوا هذا لأن علينا أن نحافظ على الإرهابيين وننقذهم، هذا معنى رسالتهم باختصار.

وأوضح الرئيس الأسد أن روسيا لا تتدخل في قرارنا مشددا على أن الروس واقعيون ويحترمون سيادتنا ويدافعون دائما عن السيادة التي تستند إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.. لم يحدث أن مارسوا أي ضغوط ولن يفعلوا ذلك، هذا ليس نهجهم.

وأكد الرئيس الأسد أن المجتمع السوري بات أكثر وحدة مما كان قبل الحرب وأكثر واقعية وبراغماتية وبات العديد من السوريين يعرفون أن التعصب و التطرف في أي فكرة ليس مفيدا ليس فقط بالمعنى الديني بل بالمعنى السياسي والاجتماعي والثقافي مشيرا إلى أن حلم الدول الغربية وبعض الدول الإقليمية بتقسيم سورية وتفتيتها لا يمكن أن يتحقق لأن السوريين لا يمكن أن يقبلوا بذلك .

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

الصحفية:

سيادة الرئيس، شكراً جزيلاً لكم لموافقتكم على التحدث إلينا.

الرئيس الأسد:

أهلاً بك في دمشق.

السؤال الأول:

نبدأ بحلب، بالطبع تشهد حلب الآن ما قد يكون أشرس المعارك منذ بدأت الحرب قبل نحو ست سنوات هنا في سورية، بيد أن السياسيين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية عبروا عن مواقف سلبية بشكل عام حيال التقدم الذي يحققه جيشكم. ما سبب ذلك في رأيكم؟ هل يرون في ذلك هزيمة لهم؟

الرئيس الأسد:

في الواقع، وبعد إخفاقهم في دمشق – لأن الرواية بمجملها كانت تدور حول “تحرير دمشق من الدولة” خلال السنوات الثلاث الأولى ـ عندما أخفقوا، انتقلوا إلى حمص، وعندما أخفقوا من جديد في حمص، انتقلوا إلى حلب، فركزوا عليها خلال السنوات الثلاث الماضية. وبالنسبة لهم فإن هذه هي الورقة الأخيرة والأكثر أهمية التي كان يُمكن أن يلعبوها في الميدان السوري، ما زال لديهم بالطبع إرهابيون في مختلف المناطق في سورية، لكن الأمر يختلف عند التحدث عن حلب بوصفها ثاني أكبر مدينة في سورية وهزيمة الإرهابيين فيها تحمل معاني سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وحتى أخلاقية، لأن هؤلاء الإرهابيين هم عملاؤهم، وهزيمتهم تعني هزيمة الدول التي رعتهم، سواء كانت دولاً إقليمية أو غربية مثل الولايات المتحدة، بل أولاً الولايات المتحدة ومن ثم فرنسا وبريطانيا.

السؤال الثاني:

إذاً، تعتقدون أنهم يعتبرون ذلك هزيمة لهم، صحيح؟

الرئيس الأسد:

بالضبط، هذا ما أقصده. إن هزيمة الإرهابيين هي بمثابة هزيمة لهم لأن هؤلاء الإرهابيين هم جيشهم على الأرض، لم تتدخل هذه الدول في سورية بشكل مباشر، لكنها تدخلت عبر هؤلاء العملاء، ينبغي أن ننظر إلى المسألة على هذا النحو إذا أردنا أن نكون واقعيين، بصرف النظر عن بياناتهم.

السؤال الثالث:

 تدمر منطقة أخرى مضطربة الآن، وقد استولى عليها “داعش”، لكننا لا نسمع الكثير من الإدانة بشأنها. هل يعود ذلك للسبب نفسه؟

الرئيس الأسد:

تماماً، لأنها لو تمت السيطرة عليها من قبل الحكومة، لكانوا سيقلقون بشأن التراث، إذا حررنا حلب من الإرهابيين، فإنهم – أعني المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية الرئيسية – سيقلقون على المدنيين، إنهم لا يقلقون عندما يحدث العكس، عندما يقوم الإرهابيون بقتل المدنيين أو يهاجمون تدمر ويبدؤون بتدمير التراث الإنساني، وليس التراث السوري وحسب. أنتِ محقة تماماً، لأنكِ إذا نظرتِ إلى توقيت هجوم “داعش” تجدين أنه مرتبط بما يحدث في حلب. هذا هو ردهم على تقدم الجيش العربي السوري في حلب، أرادوا أن يقوّضوا انتصار الجيش هناك، وفي الوقت نفسه تشتيت تركيز الجيش السوري على حلب لدفعه للانتقال إلى تدمر ووقف تقدمه، لكن ذلك لم ينجح.

السؤال الرابع:

ثمة تقارير تفيد بأن حصار تدمر لم يكن مرتبطاً بمعركة حلب وحسب، بل أيضاً بما يحدث في العراق، كما أن ثمة تقارير تفيد بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يتكون من نحو 70 دولة سمح لمقاتلي “داعش” في الموصل بالعراق بالمغادرة، ما عزز قوة “داعش” هنا في سورية. هل تعتقدون أن هذا ما حصل؟

الرئيس الأسد:

هذا ممكن، إلا أنه يهدف فقط إلى غسل أيدي السياسيين الأمريكيين من المسؤولية عن هذا الهجوم، عبر القول إن الجيش العراقي هاجم الموصل و”داعش” غادر إلى سورية، لكن الأمر ليس كذلك، لأن “داعش” أتى بقوة بشرية ونارية هائلة ومختلفة لم يكن يمتلكها قبل هذا الهجوم. كما أنه هاجم على جبهة واسعة تمتد على عشرات الكيلومترات، وهو ما يمكن أن يشكل جبهات لجيوش كاملة، و”داعش” تمكن من فعل ذلك فقط عبر حصوله على دعم دول، ليس دولة واحدة، بل دول، لقد أتى إرهابيو “داعش” ومعهم أنواع مختلفة من الأسلحة والمدافع، كل الهجوم كان مختلفاً، ما كان يمكن لهذا أن يحدث، أي أن يتقدموا في الصحراء، دون إشراف من التحالف الأمريكي الذي يُفترض أن يهاجم “داعش” في الرقة والموصل ودير الزور، لكن ذلك لم يحدث، إما أنهم تظاهروا بعدم رؤية ما يفعله “داعش” أو ـ وهذا ما أعتقده ـ دفعوه نحو تدمر، المسألة إذاً لا تتعلق بالموصل، لا ينبغي أن نسقط في ذلك الشَرَك، المسألة تتعلق بالرقة ودير الزور، هاتان المدينتان قريبتان جداً ولا تبعدان عن تدمر سوى بضع مئات الكيلومترات، كان بوسع إرهابيي “داعش” الوصول إلى تدمر تحت أعين الأقمار الصناعية الأمريكية وطائراتها المسيّرة دون طيار وبدعم أمريكي.

السؤال الخامس:

ما مدى قوة “داعش” اليوم؟

الرئيس الأسد:

إنه قوي بمقدار الدعم الذي يتلقاه من الغرب والقوى الإقليمية، في الواقع هو ليس قوياً، لأنكِ إذا أخذته كحالة منعزلة، فإنه ليس قوياً لأنه لا يتمتع بالحاضنة الاجتماعية الطبيعية، دون تلك الحاضنة لا يُمكن للإرهابيين أن يتمتعوا بما يكفي من القوة، لكنهم يتلقون دعماً حقيقياً بالمال، وبالاستثمار في حقول النفط، وبطائرات التحالف الأمريكي، بالتالي هم أقوياء بقدر قوة داعميهم أو رعاتهم.

السؤال السادس:

في حلب سمعنا بأنكم سمحتم لبعض هؤلاء الإرهابيين بالخروج بحرية من ميدان المعركة. لماذا فعلتم ذلك؟ واضح أن بوسعهم العودة إلى إدلب، على سبيل المثال.

 الرئيس الأسد:

بالضبط.

الصحفية:

وأن يحصلوا على الأسلحة و…..

الرئيس الأسد:

هذا صحيح.

الصحفية:

والاستعداد للمزيد من الهجمات …

الرئيس الأسد:

أنتِ محقّة.

الصحفية:

وربما يُهاجمون أولئك الذين يقومون بتحرير حلب.

الرئيس الأسد:

تماماً، هذا صحيح وقد حدث على مدار السنوات القليلة الماضية، لكن هناك دائماً أشياء يخسرها المرء وأشياء يكسبها، وعندما يكون المكسب أكبر من الخسارة، فإن المرء يختار تحقيق هذا المكسب، في تلك الحالة كانت أولويتنا حماية المنطقة من الدمار الذي تسببه الحرب، وحماية المدنيين الذين يعيشون هناك، وتوفير الفرصة لأولئك المدنيين كي يُغادروا من خلال الممرات المفتوحة، أي مغادرة تلك المنطقة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ومنح أولئك الإرهابيين فرصة لتغيير رأيهم والانضمام إلى الحكومة والعودة إلى حياتهم الطبيعية والحصول على العفو، وعندما لا يفعلون ذلك يُمكنهم المغادرة مع أسلحتهم رغم الضرر الذي ذكرته، لكن هذه ليست أولويتنا، لأننا إذا حاربناهم في أي منطقة أخرى خارج المدينة فسيكون هناك قدر أقل من الدمار وعدد أقل من الضحايا المدنيين.

السؤال السابع:

أشعر أنكم تسمونهم إرهابيين، لكنكم في الوقت نفسه تعاملونهم كبشر، حيث تخبرونهم بأن لديهم فرصة في العودة إلى حياتهم الطبيعية.

الرئيس الأسد:

 تماماً، إنهم إرهابيون لأنهم يحملون الرشاشات ويقتلون ويُدمرون ويُخربون، وما إلى ذلك. وهذا يُسمّى إرهاباً في سائر أنحاء العالم، لكن في الوقت نفسه، فهم بشر قاموا بأعمال إرهابية، قد يكونون غير ذلك، وانضموا إلى الإرهابيين لأسباب مختلفة، إما خوفاً منهم أو طمعاً بالمال، وفي بعض الأحيان لأسباب أيديولوجية، وبالتالي إذا تمكنا من إعادتهم إلى حياتهم الطبيعية وأن يكونوا مواطنين طبيعيين فإن هذه وظيفة الحكومة، لا يكفي القول: “سنُحارب الإرهابيين”، إن محاربة الإرهابيين أشبه بلعبة فيديو، يمكنكِ أن تدمري عدوكِ في لعبة الفيديو، لكن اللعبة ستولد آلاف الأعداء وستعيد توليدهم مجدداً، وبالتالي لا يُمكن التعامل معهم على الطريقة الأمريكية، بالقتل وحسب، هذا ليس هدفنا، بل هو خيارنا الأخير، إذا كان من الممكن إحداث تغيير، فإن هذا خيار جيد وقد نجح، لقد نجح لأن العديد من أولئك الإرهابيين عندما تتغير مواقعهم يعود بعضهم ليعيش حياة طبيعية، بل إن بعضهم انضم إلى الجيش السوري وحارب مع الجيش السوري ضد الإرهابيين الآخرين، وهذا نجاح من وجهة نظرنا.

السؤال الثامن:

سيادة الرئيس، قلتم للتو إنكم تكسبون وتخسرون. هل تشعرون بأنكم فعلتم ما يكفي لتقليص عدد الضحايا المدنيين خلال هذا الصراع؟

الرئيس الأسد:

إننا نبذل قصارى جهدنا، أما فيما يتعلق ب “ما يكفي” فهذا أمر نسبي ويمكن لكل شخص أن يراه من منظوره، في المحصلة “ما يكفي” هو ما يستطيع المرء فعله، قدرتي كشخص، وقدرة الحكومة، وقدرة سورية كبلد صغير على مواجهة حرب تدعمها عشرات الدول، ووسائل الإعلام الرئيسية التي تستخدم ضدنا مئات القنوات التلفزيونية وغيرها من الأدوات، وبالتالي فإن الأمر يعتمد على تعريف كلمة “ما يكفي” وهو أمر نسبي كما قلت، لكنني متأكد من أننا نفعل كل ما في وسعنا، لا شيء يكفي في النهاية، والممارسة البشرية فيها دائماً ما هو صحيح وما هو خاطئ، وهذا أمر طبيعي.

السؤال التاسع:

نسمع القوى الغربية تُطالب روسيا وإيران بشكل متكرر بالضغط عليكم “لوقف العنف” على حد تعبيرهم، ومؤخراً بعثت ست دول غربية برسالة غير مسبوقة تُطالب روسيا وإيران مرة أخرى بالضغط عليكم لوقف إطلاق النار في حلب.

الرئيس الأسد:

نعم.

الصحفية:

هل ستفعلون ذلك؟ إنهم يطالبون بوقف إطلاق النار في الوقت الذي يحقق فيه جيشكم تقدماً.

الرئيس الأسد:

دائماً في السياسة يجب أن نقرأ ما بين السطور وألا نتقيد بالنص الحرفي للرسالة، ليس المهم ما يطالبون به، هم ضمنياً يقولون لروسيا “نرجوكم أن توقفوا تقدم الجيش السوري ضد الإرهابيين، لقد ذهبتم أبعد مما ينبغي لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين، وهذا ما ينبغي ألا يحدث، ينبغي أن تخبروا السوريين بأن يوقفوا هذا، لأن علينا أن نُحافظ على الإرهابيين وننقذهم”، هذا هو معنى رسالتهم باختصار.

ثانياً: روسيا، لا خلال الحرب ولا قبل الحرب ولا خلال حقبة الاتحاد السوفييتي، لم تحاول أبداً أن تتدخل في قرارنا حتى هذه اللحظة، عندما يكون لديهم رأي أو نصيحة فإنهم يقولون:

” في النهاية هذا بلدكم، وأنتم تعرفون القرار الأفضل الذي ينبغي أن تتخذوه، نحن نرى الأمور على هذا النحو، لكن إذا كنتم ترونها بطريقة مختلفة فالأمر عائد لكم أنتم السوريون”، إنهم واقعيون ويحترمون سيادتنا ويدافعون دائماً عن السيادة التي تستند إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لم يحدث أن مارسوا علينا أي ضغوط، ولن يفعلوا ذلك، هذا ليس نهجهم.

السؤال العاشر:

ما مدى قوة الجيش السوري اليوم؟

الرئيس الأسد:

هذا الأمر يتعلق بشيئين: أولاً فيما يتعلق بالحرب نفسها، وثانياً بحجم سورية، سورية ليست بلداً كبيراً، وبالتالي ليس لديها جيش كبير عددياً، لقد كان دعم حلفائنا مهماً جداً، وخصوصاً روسيا وإيران، بعد ست سنوات أو ما يُقارب ست سنوات من الحرب، وهي أطول من الحربين العالميتين الأولى والثانية فإن من البديهي ألا يكون الجيش السوري بالقوة التي كان عليها قبل الحرب، لكن ما نملكه هو التصميم على الدفاع عن بلدنا، وهو الأمر الأكثر أهمية، لقد خسرنا عدداً كبيراً من الأشخاص.

الصحفية:

عدداً كبيراً؟

الرئيس الأسد:

في جيشنا ارتقى عدد كبير من الشهداء وهناك عدد كبير من الجنود الذين أصيبوا بإعاقات، وخسرنا كميات كبيرة من العتاد، بالأرقام خسرنا الكثير، لكن ما زال لدينا هذا التصميم، وبوسعي أن أقول لكِ إن هذا التصميم أقوى مما كان قبل الحرب، لكننا لا نستطيع بالطبع تجاهل الدعم الروسي والإيراني، وهو الدعم الذي يجعل تصميمنا أكثر كفاءة وفعالية.

السؤال الحادي عشر:

لقد رفع الرئيس أوباما مؤخراً الحظر المفروض على تسليح بعض مجموعات المعارضة السورية المسلحة.

الرئيس الأسد:

نعم.

الصحفية:

ما هو برأيكم الأثر الذي يمكن أن يحدثه ذلك على الوضع على الأرض، وهل يُمكن أن يؤدي إلى تعزيز مباشر أو غير مباشر لقوة الإرهابيين؟

الرئيس الأسد:

لسنا متأكدين من أنه رفع الحظر عندما أعلن ذلك، ربما رفعه قبل ذلك، لكنه أعلنه مؤخراً لمنحه الشرعية السياسية، هذا أولاً، ثانياً: وهو أمر مهم للغاية، هناك صلة مباشرة بين توقيت الإعلان وتوقيت الهجوم على تدمر، وبالتالي فإن السؤال هو: لمن ستذهب تلك الأسلحة؟ وفي أيدي من ستكون؟ في أيدي “داعش” و”النصرة”، خاصة أنه ثمة تنسيق بينهما، وبالتالي فإن الإعلان عن رفع الحظر يرتبط مباشرة بالهجوم على تدمر وبدعم الإرهابيين الآخرين خارج حلب، لأنهم عندما يُهزمون في حلب فستكون الولايات المتحدة والغرب بحاجة لتقديم الدعم لعملائهم في مكان آخر، لأنه لا مصلحة لهم في تسوية الصراع في سورية، وبالتالي فإن جوهر الإعلان يتمثل في إحداث قدر أكبر من الفوضى، ذلك أن الولايات المتحدة تخلق الفوضى في محاولة لإدارتها، لأنها تريد استخدام العوامل المختلفة في تلك الفوضى كي تستغل مختلف أطراف الصراع، سواء كانت أطرافاً داخلية أو خارجية.

السؤال الثاني عشر:

سيادة الرئيس، كيف تشعرون حيال كونكم بلداً صغيراً وسط هذا الإعصار من البلدان غير المهتمة بإيقاف الحرب هنا؟

الرئيس الأسد:

إنه أمر لطالما شعرنا به قبل هذه الحرب، لكننا شعرنا به بشكل أقوى اليوم، لأن الدول الصغيرة تشعر بقدر أكبر من الأمان عندما يكون هناك توازن دولي، نحن شعرنا بالإعصار الذي ذكرتِه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عندما سادت الهيمنة الأمريكية وأرادوا أن ينفذوا كل ما يرغبون به وإملاء سياساتهم في كل مكان، الدول الصغيرة هي التي تعاني أكثر من غيرها، وبالتالي فإننا نشعر بذلك اليوم أيضاً، لكن في الوقت نفسه فإن ثمة قدراً أكبر من التوازن حالياً بوجود الدور الروسي، ولهذا السبب فإننا نعتقد دائماً أنه كلما كانت روسيا أقوى ـ وأنا لا أتحدث هنا عن سورية فقط، بل أتحدث عن كل الدول الصغيرة في العالم ـ كلما كانت روسيا أقوى، وكلما صعدت الصين فإننا نشعر بقدر أكبر من الأمن، إن الوضع الذي نعيشه مؤلم جداً على كل المستويات: المستوى الإنساني، المشاعر، الفقدان، وكل شيء، لكن في المحصلة فإن الأمر لا يتعلق بالربح والخسارة، بل يتعلق بكسب أو خسارة بلادك، إنه تهديد وجودي بالنسبة لسورية، لا يتعلق الأمر بخسارة للحكومة ضد حكومة أو لجيش ضد جيش آخر، إما أن ينتصر البلد أو يختفي، هكذا ننظر إلى هذا الأمر ولذلك ليس لديك الوقت لتشعري بذلك الألم، بل لديك وقت للقتال والدفاع وفعل شيء على الأرض.

السؤال الثالث عشر:

دعنا نتحدث عن دور وسائل الإعلام في هذا الصراع، لقد اتُّهمت جميع الأطراف خلال هذه الحرب بإسقاط العديد من الضحايا المدنيين، لكن وسائل الإعلام الغربية ظلت صامتة بشكل كامل عن الفظاعات التي ارتكبها الإرهابيون. ما هو الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام هنا؟

الرئيس الأسد:

أولاً: إن وسائل الإعلام الرئيسية والسياسيين المرتبطين بها عانت وعانوا على مدى العقود القليلة الماضية من التحلل الأخلاقي، ليس لديهم أخلاق، كل ما يتحدثون عنه وكل ما يذكرونه أو يستخدمونه كقناع إن كان حقوق الإنسان، المدنيين، الأطفال.. هم يستخدمون كل هذه المسميات لخدمة أجندتهم السياسية، وكي يثيروا مشاعر رأيهم العام والحصول على دعمه في تدخلهم في هذه المنطقة، سواء عسكرياً أو سياسياً، وبالتالي فإنهم لا يتمتعون بأي مصداقية في هذا الصدد.

وإذا أردتِ أن تنظري إلى ما يحدث في الولايات المتحدة تجدين أن ثمة تمرداً على وسائل الإعلام الرئيسية لأنها كانت تكذب واستمرت بالكذب على جمهورها، يُمكننا القول إن الرأي العام أو الناس في الغرب لا يعرفون حقيقة ما يجري في منطقتنا، لكنهم على الأقل يعرفون أن وسائل الإعلام الرئيسية وسياسييهم كانوا يكذبون عليهم من أجل أجنداتهم الخاصة والمصالح الشخصية لهؤلاء السياسيين، لذلك أعتقد أنه لم يعد بوسع وسائل الإعلام الرئيسية أن تقنع أحداً برواياتها، لذلك فإنها تُحارب من أجل وجودها في الغرب، رغم أن لديها خبرة كبيرة جداً وتتمتع بدعم وأموال وموارد هائلة، لكنها تفتقر إلى شيء مهم جداً لبقائها، وهو المصداقية. إنها لا تتمتع بالشفافية، لذلك خسرت المصداقية، ولذلك أيضاً باتت جبانة جداً اليوم فهي تخاف من قناتكم ومن أي تصريح يمكن أن يقول الحقيقة لأن من شأنه أن يفنّد ما يقولونه.

السؤال الرابع عشر:

دأبت وكالة أنباء “رويترز” على الاقتباس من “أعماق” الناطقة باسم “داعش”، فيما يتعلق بحصار تدمر، هل تعتقدون أنهم بذلك يسبغون شرعية على المتطرفين بهذه الطريقة، أي بالاقتباس من وسائل إعلامهم؟

الرئيس الأسد:

حتى لو لم يذكروا وكالات أنبائهم فإنهم يتبنون روايتهم، لكن إذا نظرتِ إلى الجانب التقني لطريقة تقديم “داعش” لنفسه منذ البداية، من خلال مقاطع الفيديو، والأخبار وفي الإعلام بشكل عام وفي مجال العلاقات العامة فإنهم يستخدمون تقنيات غربية ووسائل متقدمة جداً، كيف يمكن لمجموعة محاصرة يزدريها العالم أجمع وتُهاجَم بالطائرات، ويريد العالم تحرير كل المدن منها، كيف لها أن تكون بهذا التقدم لو لم تكن مرتاحة وتتلقى جميع أنواع الدعم؟ ولذلك لا أعتقد أن الأمر يتعلق “بأعماق”، بل بتبني الغرب رواياتها بشكل مباشر أحياناً وغير مباشر أحياناً أخرى.

السؤال الخامس عشر:

يتسلم دونالد ترامب مهام منصبه كرئيس للولايات المتحدة بعد بضعة أسابيع، لقد أشرتم إلى الولايات المتحدة عدة مرات اليوم، ما الذي تتوقعونه من الإدارة الأمريكية الجديدة؟

الرئيس الأسد:

لقد كانت تصريحاته خلال الحملة الانتخابية إيجابية فيما يتعلق بالإرهاب، الذي هو أولويتنا اليوم، كل ما عدا ذلك ليس أولويتنا. ولذلك لن أُركز على أي شيء آخر، كل ما عدا ذلك يتعلق بالشؤون الداخلية الأمريكية ولن أقلق بشأنه، لكن السؤال يبقى ما إذا كان ترامب يمتلك الإرادة أو القدرة على تنفيذ ما ذكره، تعلمين أن معظم وسائل الإعلام الرئيسية والمؤسسات الكبيرة ومجموعات الضغط والكونغرس، وحتى البعض داخل حزبه يقف ضده، يريدون مزيداً من الهيمنة ومزيداً من الصراع مع روسيا ومزيداً من التدخّل في شؤون الدول الأخرى وإسقاط الحكومات…الخ. هو قال شيئاً معاكساً لذلك، هل يستطيع الثبات في وجه كل هؤلاء بعد أن يباشر مهام منصبه الشهر القادم؟ هذا هو السؤال. إذا تمكن من ذلك، أعتقد أن العالم سيكون في وضع مختلف، لأن الأمر الأكثر أهمية، هو العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة، إذا ذهب باتجاه هذه العلاقة فستهدأ معظم التوترات في سائر أنحاء العالم، وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا في سورية، لكني لا أعتقد أن أحداً يمتلك الجواب عن هذا السؤال، ترامب لم يكن سياسياً، وبالتالي ليس لدينا أي مرجعية للحكم عليه، هذا أولاً، وثانياً: لا أحد يستطيع التنبؤ بالنمط الذي ستتخذه الأمور الشهر القادم وما بعده.

السؤال السادس عشر:

الوضع الإنساني في سورية كارثي، ونسمع من مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي السيدة موغيريني أن الاتحاد الأوروبي هو الكيان الوحيد الذي يقدم المساعدات الإنسانية لسورية. هل هذا صحيح؟

الرئيس الأسد:

في الواقع فإن كل المساعدات التي أرسلتها أي دولة غربية كانت للإرهابيين، كي نكون واضحين وصريحين وشفافين جداً، إنهم لم يكترثوا إطلاقاً لحياة أي سوري، لدينا عدد كبير من المدن في سورية حتى اليوم محاطة ومحاصرة من قبل الإرهابيين الذين منعوا كل شيء من الوصول إليها: الغذاء، والماء، وجميع الاحتياجات الأساسية للحياة، وهم يهاجمون هذه المدن بالطبع يومياً بقذائف الهاون ويحاولون قتل سكانها، ما الذي أرسله الاتحاد الأوروبي لهؤلاء؟ إذا كانوا قلقين على الحياة الإنسانية، وإذا كانوا يتحدثون عن المسألة الإنسانية فلا ينبغي عليهم التمييز، جميع السوريين بشر، وجميع الناس بشر، إنهم لا يفعلون ذلك، وبالتالي فإن هذه هي المعايير المزدوجة والأكاذيب التي يستمرون في ترديدها، وقد باتت هذه الأكاذيب مقززة، لم يعد أحد يصدق رواياتهم، إن ما قالته غير صحيح.

السؤال السابع عشر:

تقول بعض المقترحات: إن أفضل حل لسورية هو أن يتم تقسيمها إلى دويلات منفصلة يحكمها السنّة، والشيعة، والأكراد. هل هذا ممكن بأي حال من الأحوال؟

الرئيس الأسد:

هذا هو أمل أو حلم الدول الغربية وبعض الدول الإقليمية، وهذا ليس جديداً ولا يرتبط بهذه الحرب، كان ذلك موجوداً قبل الحرب، وهناك خرائط لهذا التقسيم والتفتيت، لكن في الواقع إذا نظرتِ إلى المجتمع اليوم فإن المجتمع السوري بات أكثر وحدة مما كان قبل الحرب، هذا واقع، أنا لا أقول أي شيء لرفع معنويات أحد لأني لا أتحدث إلى جمهور سوري على أي حال، أنا أتحدث عن الواقع، بسبب دروس الحرب فإن المجتمع بات أكثر واقعية وبراغماتية، وبات العديد من السوريين يعرفون أن التعصب والتطرف في أي فكرة ليس مفيداً، وأنا لا أتحدث فقط عن التطرف بالمعنى الديني، بل بالمعنى السياسي، والاجتماعي، والثقافي، وهو بجميع هذه المعاني لا يساعد سورية،  فقط عندما نقبل بعضنا بعضاً ونحترم بعضنا بعضاً يُمكننا أن نعيش مع بعضنا البعض وأن يكون لنا بلد واحد، إذاً فيما يتعلق بتفتيت سورية، إذا لم يكن هناك هذا التفتيت الحقيقي في المجتمع وفي مختلف ألوان وأطياف المجتمع السوري والنسيج السوري فلا يمكن أن يكون هناك تقسيم، إنها ليست خريطة ترسمينها، إذ حتى لو كان لديكِ بلد واحد والناس منقسمون فإن التفتت يحدث، انظري إلى العراق إنه بلد واحد، لكنه مفكك في الواقع، وبالتالي فأنا لست قلقاً حيال هذا الأمر، لا يُمكن للسوريين أن يقبلوا بهذا، أنا أتحدث الآن عن الأغلبية الساحقة من السوريين، لأن هذا ليس جديداً ولم يطرأ خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة الماضية، إنه موضوع هذه الحرب، بالتالي وبعد ما يقارب ست سنوات بوسعي أن أقول لكِ إن أغلبية السوريين لن تقبل بأي شيء له علاقة بتقسيم البلد، نحن سنعيش في سورية واحدة.

السؤال الثامن عشر:

أنا كأم أشعر بألم جميع الأمهات السوريات، أتحدث عن الأطفال في سورية، ما الذي يحمله لهم المستقبل؟

الرئيس الأسد:

هذا هو الوجه الأخطر لمشكلتنا، ليس في سورية وحسب، بل في أي مكان تتحدثين فيه عن هذه الأيديولوجيا الوهّابية الظلامية، لأن العديد من الأطفال الذين كبروا خلال العقد الأخير أو أكثر من عقد انضموا إلى الإرهابيين على أساس أيديولوجي، وليس من أجل المال أو الأمل أو أي شيء آخر، هؤلاء الأطفال أتوا من أُسر منفتحة، ومتعلمة ومثقفة، وبالتالي لكِ أن تتخيلي مدى قوة الإرهاب.

الصحفية:

إذاً، حدث ذلك بسبب الدعاية التي يبثونها؟

الرئيس الأسد:

تماماً، لأن الأيديولوجيا خطيرة جداً، ولا تعرف الحدود السياسية، وقد ساعدت شبكة الإنترنت أولئك الإرهابيين على استخدام أدوات سريعة وغير مكلفة للترويج لأيديولوجيتهم، وبات بوسعهم اختراق أي أسرة في أي مكان من العالم، سواء في أوروبا، في بلادكم، في بلادي، أو في أي مكان لديكم مجتمع علماني.

الصحفية:

هذا يحدث.

الرئيس الأسد:

تماماً لديكم مجتمع علماني، ولدينا مجتمع علماني، لكن ذلك لم يحمِ المجتمع من الاختراق.

السؤال التاسع عشر:

هل لديكم أي أيديولوجيا مضادة لهذه الأيديولوجيا؟

الرئيس الأسد:

بالضبط، لأنهم بنوا أيديولوجيتهم على الإسلام فعلينا استخدام الأيديولوجيا نفسها، واستخدام الإسلام الحقيقي، الإسلام الحقيقي المعتدل، من أجل مناهضة أيديولوجيتهم، هذه هي الطريقة السريعة، إذا أردنا التحدث عن المدى المتوسط والبعيد فالأمر يتعلق بكيفية تطوير المجتمع، والطريقة التي يفكر بها الناس ويحللون الأمور عبرها، لأن الأيديولوجيا يمكن أن تعمل فقط عندما لا تستطيعين التحليل والتفكير بشكل سليم، وبالتالي فإن الأمر يتعلق بخوارزميات الدماغ، إذا كان لديك نظام تشغيل طبيعي أو صحي – إذا شبهنا ذلك بتقانة المعلومات – فإذا كان لديكِ نظام تشغيل جيد في دماغكِ فإنهم لا يستطيعون اختراقه كفيروس، إذاً الأمر يتعلق بالتعليم والإعلام والسياسات.. لأنه في بعض الأحيان، عندما تكون لديكِ قضية وطنية، ويفقد الناس الأمل يمكن أن يندفعوا نحو التطرف، وهذا أحد التأثيرات في منطقتنا منذ السبعينيات، بعد الحرب بين العرب والإسرائيليين وبعد إخفاق السلام من كل النواحي في استعادة الأرض والحقوق لأصحابها بات هناك درجة أكبر من اليأس، وقد صبّ ذلك في مصلحة المتطرفين، وهنا وجد الوهّابيون تربة خصبة للترويج لأيديولوجيتهم.

الصحفية:

سيادة الرئيس، شكراً جزيلاً لكم لإعطائنا من وقتكم، وأتمنى أن يتحقق السلام والرخاء في بلدكم في أقرب وقت ممكن.

الرئيس الأسد:

شكراً جزيلاً لكِ لقدومكِ إلى سورية.

الصحفية:

لقد كانت أوقاتاً عصيبة جداً عليكم، ولذلك أتمنى أن ينتهي هذا قريباً.

الرئيس الأسد:

شكراً جزيلاً لكِ لقدومكِ إلى سورية، وأنا سعيد جداً للقائكِ.

الصحفية:

شكراً لكم.