التشكيلي فواز سلامة: الفن التشكيلي السوري بحاجة لهوية خاصة به

دمشق-سانا

استطاع التشكيلي فواز سلامة أن يقدم نفسه عبر السنوات القليلة الماضية كموهبة استثنائية في رسم البورتريه والاشتغال على مفردات الوجه البشري بزخم لوني كبير مع تقديمه بحالات شعورية مفعمة بالإحساس الخاص إلى جانب استمراره بتطوير قدراته المتراكمة في فن الرسوم المتحركة وقدرته على التجول في عوالمه الخيالية الجميلة.

وعن اختياره للبورتريه يقول التشكيلي فواز سلامة في حديث لـ سانا.. إن الوجه الإنساني هو مرآة الروح ومن خلاله أبحث عن الأسرار التي يكتنزها كل شخص فينا ورغم الشبه بين بعض الوجوه إلا أنني أرى لكل وجه حكاية مستقلة عن غيره من البشر.1

ويضيف إن الوجه يحمل عمقا في المعاني فهو تارة نهر من الحزن ينهمر نحوي وأحيانا أخرى هو تاريخ من المعاناة وقسوة العيش وفي أخرى يحمل الطهر والنقاء والعذوبة ما يشكل عوالم من الأحاسيس وهذا ما دفعني للاختصاص بالبورتريه.

واشار إلى أنه في الفترة الحالية يحتل وجه الرجل بطولة أغلب لوحاته لكونه مليئا بالأحداث والتناقضات من قسوة وحنان وحب وكراهية وقوة وضعف إلى جانب الخرافة في بعض الأحيان فهو بطل أوحد لا ينازعه حاليا أحد على سطح لوحه على حد تعبيره مبينا أنه يبتعد عن الوجوه المنهكة المهزومة والمنطوية على نفسها في زوايا الأمكنة.

يميل سلامة إلى تجسيد الشخوص التي عاشت طويلا ولم ينل منها الزمن ويبتعد بشكل واضح عن رسم المرأة ويقول.. أؤمن بالواقعية في اللوحة ليس فقط في الإسلوب بل في الموضوع والأفكار المقدمة حوله فابتعد عن الأماني والأحلام التي تكون غالبا سيدتها المرأة في الأعمال الفنية مبينا أن أسلوبه تغير بعد عودته من دراسته الأكاديمية للفن في روسيا وصارت نظرته للحياة أكثر واقعية وجدية.

ويتابع.. إن أسلوبي في فترة ما قبل السفر كان يمتاز بالتعبيرية ويحمل كثيرا من الرموز عبر شخوصي الأنثوية الحالمة التي يملؤها الأمل في محاولة مني للبحث من خلالها عن السلام الداخلي والوصول للحلم بعيدا عن صخب الواقع وضجيجه.2

يعد سلامة حاليا الكثير من الدراسات والاسكتشات لبورتريهات لأشخاص كبيري السن ولأطفال أيضا لأنه يرى في المسنين الحكمة والقوة وعالم من الحكايات المنسية وفي الأطفال البساطة والطهر الملائكي الذي لم تنل منه الحياة بعد وهذا ما يسعى لتكريسه في عمله الفني على حد تعبيره.

ويوضح التشكيلي المجتهد أنه يحب رسم الوجوه التي تسمح له بالغوص في روح صاحبها دون اهتمام بالمقاييس الجمالية فقدرة الوجه على التعبير عن الحالة الفنية هو الأهم مبينا أنه لا يحب الأشكال النمطية من الشخوص وخاصة المنمقة والمتداخلة مع التحضير المسبق بل تغريه الوجوه المحلية المرتبطة بالمكان وواقعه والقادرة على البوح بالقصص دونما سؤال.

ويرى سلامة أن الحركة التشكيلية السورية تتجه نحو اللاهوية عبر تكريس تجارب الحداثة الفنية عند العديد من الفنانين وخاصة الشباب ما يخلق حالة منفصلة عن الواقع وعن الناس ويعزل هذه التجارب ويجعلها فئوية وينحو باللوحة لتكون قطعة ديكور فخمة وتكملة لمستوى اجتماعي معين.

واعتبر أن أغلب الفنانين الشباب إما يستنسخون أساليب اساتذتهم للوصول الى نجاح سريع وإما يغرقون في التجريب المعتمد على الصدفة فينتهي بهم المطاف بأسلوب مبسط يتم تسميته خصوصية فنية عبثا ويكون نتيجته لوحة عصية على القراءة من قبل المشاهد وهذا هروب الى الأمام ولا ينتج فنا في النهاية مؤكدا أن الأمل والتفاؤل يبقيان بالمواهب الجدية والحقيقية التي تعمل على تطوير أدواتها عبر الاجتهاد والبحث للوصول الى الهدف المبتغى.

ويقول المدرس في مركز ادهم إسماعيل للفنون التشكيلية.. إن حالة التدريس تضيف له الكثير دائما عبر تحديث المعلومات والمواظبة على البحث المستمر والمشترك مع الطلاب وهذا وإن كان يأخذ من وقته الكثير ولكنه لا يعتبره خسارة لأن صناعة فنان أهم عنده من صناعة لوحة خاصة إذا كان الهدف المنشود هو رفع مستوى الحركة التشكيلية السورية ورفدها بفنانين موهوبين ومؤهلين.

ويتابع.. أرى في طلاب مركز ادهم اسماعيل مشاريع فنانين مهمين بجدارة فهم يمتلكون الموهبة والاجتهاد ولغة التحدي كما يقدمون نتاجا جميلا ومبهرا لا يوجد في أغلب الأماكن التعليمية للفنون التشكيلية.

وحول حضور العمل الفني السوري في الخارج.. يبين سلامة أن هناك حضورا لفنانين سوريين في عدد من المحافل الفنية العالمية وهم من مدارس فنية متنوعة ولهم خصوصيتهم وهويتهم الفنية ولكن منهم من يقدم اللوحة البعيدة عن الهوية الحضارية لسورية عبر محاكاته للمدارس الفنية الحديثة وتماهيا مع العولمة وهذا يفقد اللوحة انتماءها لمكان محدد.

ويوضح سلامة أنه ليس من المهم أن يكون الفنان سوريا بالجنسية ولكن الأهم هو تقديم عمل فني يحمل الهوية السورية ليكون لدينا مدرسة فنية تميز عملنا عن غيرنا في العالم كما للمدرسة الروسية خصوصيتها ولغيرها من المدارس الفنية.3

ويعمل الفنان سلامة كمخرج ومصمم للرسوم المتحركة إلى جانب عمله التشكيلي وعن المردود المادي من عمله الفني يقول.. لا أعتمد على اللوحة في دخلي المادي لذلك أحاول الابتعاد بها عن المزادات وتجاذبات السوق التجارية الفنية فانا ارسم لنفسي قبل أي شيء وأحب من بعد ذلك أن يشاركني الناس هذه الحالة الشعورية والفنية عبر المعارض التي أقدم فيها أعمالي وغالبا ما تكون هذه المشاركات هي في معارض وزارة الثقافة.

يعتبر سلامة نفسه حاليا في حالة بحث ممتعة في عالمه الفني المحلي المليء بالخرافات التي تريد ان تكبر وتصبح اساطير ويعمل على تقديمها عبر الوجوه وما تحمله من قصص وحكايا للمكان والزمان مبينا أن الباحث لا يهمه سوى الوصول لمبتغاه ولا يهتم للشهرة والعرض في أهم الصالات والمزادات وغيرها ما دام مستمتعا بعمله.

محمد سمير طحان