وأين مصر من هذا كله..؟-بقلم: مهدي دخل الله

وسط الاهتمام المركز الذي يبديه المراقبون للأحداث الساخنة في العراق وسورية وغزة تفقد مصر نصيبها من اهتمام الإعلام التحليلي العالمي والإقليمي، ولعل هذا التجاهل مجرد خطوة أولى لما يدبر لأرض الكنانة..

مصر في خطر. هذه حقيقة ليس لأن مصيرها مرتبط بمصير شريكيها التقليديين في صف القومية العربية، الشام والرافدين اللذين يواجهان أعتى حرب إرهابية في التاريخ المعاصر فحسب وإنما مصر مفصل أساسي في مؤامرة «إعادة تنظيم» المنطقة وفق منظور الاستعمار الحديث والصهيونية.

قام الجيش الوطني المصري- شريك الجيش الوطني العربي السوري في معارك العروبة كلها- بفعل نوعي أفسد الخطة التقسيمية الكبرى في المنطقة عندما ضرب حكم الإخوان المسلمين ضربة قاضية، فالإخوان كانوا إحدى الأدوات الأساسية في تحقيق نظرية بايدين- بريجنسكي التي تهدف إلى تقسيم الدول العربية وإخضاعها للإسلاموية السياسية والرجعية.

كان دور «إخوان» مصر بالتعاون مع «إسرائيل» وقيادات إخوانية في حماس إنشاء دولتين إسلامويتين في مصر وسيناء ينتهي بهما الصراع العربي- الصهيوني ويبدأ عصر التوافق الاستراتيجي بين الرجعية الإسلاموية والصهيونية.

ولو نجح «الإخوان» لكانت أول خطوة لهاتين الدولتين «إنهاء المهمة» في سورية و«إخضاعها» ومن ثم العراق ولبنان وكل من يرفع راية المقاومة والعروبة.
عزّز الجيش الوطني السوري قدرة سورية على التصدي وقام الجيش الوطني المصري بضرب المؤامرة في بؤرتها، وكان هذا تعبيراً جديداً عن الشراكة العروبية بين الجيشين حتى لو لم تكن هذه الشراكة متفقاً عليها. لقد قامت بطبيعة الأشياء التي هي فوق إرادات البشر.

التعامل الأمريكي الجديد مع مصر له شقان، الأول دعم السعودية لاحتواء النظام الجديد في القاهرة، والثاني منع مصر من توجيه اهتمامها شرقاً نحو الشام- حليفها التاريخي الطبيعي منذ الهكسوس والفراعنة وصولاً لمحمد علي باشا وجمال عبد الناصر- وإيقاعها بمصيدة التوجه غرباً نحو ليبيا.

إن انتزاع مصر من وجهتها الطبيعية نحو الشرق هذا سيفسح المجال أمام استفراد الكيان الصهيوني والرجعية الخليجية بالعروبة والمقاومة في معاقلها التقليدية: سورية ولبنان وفلسطين، إضافة إلى العراق الذي يسعى إلى استعادة موقعه في المنطقة.

إن محاولات احتواء مصر بمعنى إغرائها بالتوجه نحو ليبيا لأخذ نصيبها من «الحلوى الشرق أوسطية»- أي النفط هدفها إقناع القاهرة «بأن الشرق ليس فيه سوى المتاعب»، إضافة إلى أنه «محجوز» بالشراكة الإسرائيلية- الرجعية..

القسم القادم من معركة الأمة هو من أجل مصر واستعادتها إلى صف العروبة.

سلاحنا في هذه المعركة ليس الإرادة وحدها وإنما طبيعة الأشياء أيضاً.

صحيفة تشرين