لم يزرها شاعر إلا وتغنى بها… حلب مدينة عز وفخار ومدينة للجمال عنوان

دمشق-سانا
تغزل مدينة حلب اليوم حكاية بطولة وصمود وهي تتصدى لجحافل مغول القرن الحادي والعشرين الذين يريدون أن ينتقموا من المسيرة الحضارية لعاصمة الشمال السوري التي أعطت للعالم بأسره الحضارة والرقي والذوق الرفيع وسكنت في صفحات الكتاب وقوافي الشعراء.
ولأن تاريخ حلب أكبر من أن ينسى أو يهمل فقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم  اليونيسكو” مدينة حلب القديمة على لائحة التراث الحضاري العالمي منذ عام 1986 لأنه تجتمع فوق أرضها أهم الشواهد المعمارية الخالدة عبر التاريخ لحضارات كثيرة متنوعة منذ عصور ما قبل الميلاد إلى العصور الإسلامية ففيها قلعة حلب الشهيرة وهي من أكبر القلاع في العالم وأبواب المدينة التاريخية بعضها لم يعد موجودا الآن وبعضها مازالت قائمة حتى اليوم وأهمها باب الفرج وباب النيرب وباب الحديد وباب قنسرين وباب النصر وباب انطاكية وباب المقام ولكل باب من أبواب المدينة قصة وتاريخ .
وجاءت تسمية حلب كما ورد في الروايات أن سيدنا ابراهيم عليه السلام خيم في مرتفع الحصن وسط مدينة حلب الذي أصبح بعدئذ قلعة حلب وكان يحلب غنمه ويتصدق بحليبها على الفقراء الذين كانوا يقولون “حلب الشهباء” أي حلب غنمه أو ماعزه فسميت المدينة “حلب” نسبة إلى “إبراهيم الخليل” فيما يقول المؤرخون ان اسم حلب والأسماء الأخرى مثل خلابة وخالوبو وخلبو كانت تطلق على المدينة قبل وجود إبراهيم الخليل في حلب كما ذكرت الكثير من المخطوطات والوثائق التاريخية أسماء عديدة لحلب فقد ورد ذكرها في رقم مملكة إيبلا باسم “أرمان” كما ورد اسمها مكتوبا “حلبا” في رقم مملكة ماري “1750 ق.م” .
ومدينة حلب عتيقة المدن وشيخة التاريخ وقبلة الجمال وسنديانة الزمان السحيق وتوءم روح التاريخ وقوافي الحب وقصيدة الياسمين وعشق أرواحنا وتسابيح آهاتنا وهي أيضا حلب الورع والتقى وحنين القديسيين وشوق العاشقين فلم يزرها شاعر أو رحالة أو اديب أو زائر أو سائح إلا وفتن بجمال طبيعتها وطيبة شعبها ومواقفها الوطنية والقومية فجادت قرائح الشعراء السوريين والعرب في وصفها.
وكان الشاعر الكبير نزار قباني قام بزيارة إلى مدينة حلب بعد انقطاع كبير عنها فلما اعتلى منبر الشعر هناك ارتجل قائلا.. “كل الدروب لدى الأوروبيين توصل إلى روما ..كل الدروب لدى العرب توصل إلى الشعر وكل دروب الحب توصل إلى حلب كل ما أريد أن أقوله في حب النساء وحب المدن قضاء وقدر وها أنذا في حلب لأواجه قدراً من أجمل أقداري”.
أما الشاعر اللبناني بشارة الخوري “الأخطل الصغير” فكانت لحلب مكانة كبيرة في قلبه ترجمها في الكثير من قصائده كقوله.. “نفيتَ عنكَ العلا والظرف والأدبا …. وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا …لو ألف المجد سفراً عن مفاخره ….لراح يكتب في عنوانه حلبا”.
ويفتخر ابن الشهباء الباحث والشاعر محمد قجة بكونه حلبيا ويتغنى بانتمائه لهذه المدينة العريقة.. “أهواك يا حلب الشهباء فاقتربي …. وعانقيني لأرقى فيك بالشهب يا وردة في ضلوع الصخر طالعة …. يعنو لك الصخر في عجب وفي عجب …إن فاخر القوم في أرض وفي نسبا …. إذاً لفاخرت أني اليعربي الحلبي”.
وأيضا يفتخر الشاعر محمد كمال بأنه ينتمي إلى تراب حلب الشهباء فيقول .. “ليس مني بل منك أنت العطاء …. أنت سر الإبداع يا شهباء …كيف أخشى من الزمان افتقاراً …. وانتسابي إلى ثراك ثراء”.
وجاءت قصائد شعراء العصر الحديث مكملة لما قاله الشعراء القدامى فمدينة حلب مدينة الشعر والأدب وقد مر بها أعلام الشعراء ونبغ فيها الكثير منهم وورد ذكر حلب في شعر عملاق الشعر العربي أبي الطيب المتنبي وكتب أجمل قصائده في مدينة حلب وانطلق عذب شعره يملأ الآفاق ومما قاله فيها.. “لا أقمنا على مكان وإن طاب …. ولا يمكن المكان الرحيل كلما رحبت بنا الروض قلنا حلب قصدنا وأنت السبيل فيك مرعى جيادنا والمطايا وإليها وجيفنا والذميل”.
ولم يبخس أبو العلاء المعري في شعره مدينة حلب فقال فيها الشيء الكثير وتغنى بنهرها الذي يقطع أزقتها وبساتينها ويحولها لجنان ورافة ومنه قوله.. “حلب للوارد جنة عدن ….وهي للغادرين نار سعير والعظيم العظيم يكبر في عينه منها ….قدر الصغير الصغير فقويق في أنفس القوم بحر …. وحصاة منه نظير ثبير”.
وها هو أبو فراس الحمداني شاعر حلب يفاخر بحلب وبنهرها في شعر يتدفق عاطفة متقدة تحكي عن حبه لحلب.. “قد طفت في الآفاق شرقاً ومغرباً …. وقلبت طرفي بينها متقلبا …فلم أر كالشهباء في الأرض منزلاً …. ولا كقويق في المشارب مشربا”.
هناء صقور