تساؤلات في المسار السياسي؟-صحيفة البعث

عاش السوريون في الأيام القليلة الماضية في كنف تساؤلات عديدة حول تسريبات المسار السياسي لحل الأزمة ولاسيّما بُعيد اجتماع فيينا، وزيارة الوفد البرلماني الروسي إلى دمشق. وهذا أمر طبيعي نظراً إلى التغيرات الإيجابية المتسارعة ميدانياً، وشعبياً، وما أفرزه ذلك من حراك سياسي دولي غير معهود خلال الأزمة.

ولم تكن هذه التساؤلات غير متوقّعة من القيادة السياسية السورية، لأن تشابك خيوط الأزمة محلياً وإقليمياً ودولياً يفرض ذلك. إضافة إلى شحّ المعلومات الذي غالباً مايرافق المسائل الكبرى المعقّدة والمتشابكة بحيث تضطرّ كبرى الدول والإدارات إلى الحذر والمراوغة بسبب حدة الاستقطابات الناجمة عن هكذا تشابكات.

وهنا أدت الاجتهادات غير المسؤولة، والتحليلات الإعلامية غير المنضبطة بل المغرضة دوراً إشكالياً ذا أهداف مسبقة على نحو ما شهدناه في إعلام البترودولار، ما دفع السيد بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الكرملين بالأمس إلى التصريح بأن قيمة مانسب إلى القيادة الروسية من وسائل إعلام تعتمد على مصادر مجهولة حول المسار السياسي في سورية تساوي الصفر، ولا تستحق التعليق.

وللحقيقة، فإن ما اعتبره البعض تسريبات جديدة صادرة عن القيادة السورية وعن سيادة الرئيس تحديداً هو ليس صادراً عن ديناميكيات سياسية طارئة ومفاجئة، بقدر ما هو مرتبط بمسار سياسي مبدئي منذ الأيام الأولى للأزمة حتى اليوم، وآية ذلك أن السوريين شعباً وجيشاً وقيادة مستمرون في التأكيد على الثنائية اللازمة والمرافقة للمسار، أو للخيار، أو للحل السياسي، ببعديها، الأول: حفظ سيادة الدولة ووحدتها أرضاً وشعباً، وثانيها: إن الأفكار والمبادرات المطروحة غير قابلة للتحقّق إلاّ بعد القضاء على الإرهاب. وهذا ما أكده بالأمس موقع رئاسة الجمهورية العربية السورية.

إذن، هل هذه التساؤلات مشروعة؟

في الواقع نعم، فهناك اليوم، وللأسف، بيئات عربية إسلامية مستعرة غير ناضجة، ولا قابلة للحوار، يغذّيها العنف، والتطرّف والتكفير الذي أفرز ألواناً من السلوك الإرهابي الإجرامي غير المعهود في التاريخ المعاصر. هذه البيئات دمّرت المجتمعات السياسية، وضاءلت جداً من حضور ودور القوى السياسية والاتحادات والمنظمات مقابل آلاف فتاوى التكفير، ومليارات دعم الإرهاب بحيث تحطّم معها المجتمع السياسي العربي اللازم للخيارات السياسية في الأزمات.

وقد رافق ذلك ونجم عنه، ولاسيما في سورية، أن الأطراف الأخرى «المعارضة المعتدلة» ليس لديها مجتمع سياسي. بل لا مجتمع ولا سياسة، وهي تحتكم أولاً وآخراً إلى السلاح وإلى الإملاءات الخارجية غير الوطنية.

هذه الأطراف تخاف وتفشل في السياسة، وفي الانتخابات، وفي الوطنية، وإذا جردتها من السلاح، وحوامل الإرهاب، والارتزاق للخارج تتعرّى تماماً، ويرهقها بل يقضّ مضاجعها طرح القيادة السورية المسار السياسي خياراً استراتيجياً.

فجماهير شعبنا وحزبنا وكافة القوى الوطنية لا تخاف من الانتخابات التشريعية ولا الرئاسية. وحرصها عليها متصل بشروط نجاحها وأولها تقويض الإرهاب.

كما أن لجوء بعض الأصدقاء والأشقاء، وغيرهم، إلى «القفز» نحو المسار السياسي يتناقض مع أوليّة تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، بل يُعدّ عجزاً وتجاوزاً لها، وهناك في العالم من يرى الآن في هذا ما يوهن العزيمة اللازمة لمحاربة الإرهاب. وإذا كان هناك من استجابة سوريّة فهذا مرتبط بحرص القيادة على الوطن والمواطنين مقابل الدمار والقتل التكفير.

فمن منا لا يدرك أن «المعارضة المعتدلة!» أضحوكة؟ وهل نشأ وعمل «الجيش الحر» منذ بداياته إلا ليكون – في أغلب مكوناته – رديفاً لأذرع القاعدة؟ فلأي فصيل ينتمي الإرهابي الذي أكل كبد الجندي العربي السوري؟.

ومن منا لا يدرك صعوبة أن تكون السعودية مثلاً طرفاً في المسار السياسي وهي التي تنهض بالدور المركزي عالمياً لدعم التطرف والإرهاب، وحكومتها مسؤولة عن ترسيخ ونشر الجذور الثقافية الواسعة والمشتركة للممارسة الإرهابية في الوطن العربي والعالم؟. ما حطّم البنى الواعدة للمجتمع السياسي الوطني العربي. ولا ضير في الاعتراف بمسؤوليتها عن توسيع وتغذية مساحة التطرف في المجتمع السوري وما نتج وسينتج عن ذلك.

كما أن السوريين المتسائلين يعرفون كيف بدّد، وخرّب «أصدقاء سورية؟!» المبادرة الوطنية للحكومة السورية الناجمة عن الكلمة الهامة للسيد الرئيس بشار الأسد في 6/1/2013، والتي يبدو أنها تتجدّد وتتطوّر اليوم في لقاءات السيد الرئيس مع أصحاب الأفكار والمبادرات، تجديداً وتطويراً يسعف المسار السياسي لحل الأزمة. هذا المسار يسلّمه اليوم ودائماً السوريون الوطنيون في هذا المعترك المصيري الصعب بثقة وأمانة وقوة إلى القائد بشار الأسد.

بقلم: عبد اللطيف عمران