مسلسل الأخوة.. مجتمع بلا هوية ومصالح منفعية وفوضى غرائزية

دمشق-سانا

يحاول مسلسل الأخوة تقديم النموذج المعرب من الأعمال الدرامية التركية الطويلة عبر الاعتماد على المقومات التي حققت الجذب الجماهيري لمثل هذه المسلسلات كالممثلين الوسيمين والممثلات الجميلات وتداخل العلاقات بينهم مع مشاهد لا تخلو من الإثارة في أماكن تصوير فخمة وبعيدة عن المشاكل اليومية للانسان العربي العادي.
وتجري أحداث المسلسل الذي كتبه المؤلفان محمد أبو لبن ولواء يازجي وأخرجه كل من سيف الشيخ نجيب وسيف الدين سبيعي في مجتمع خليط لا يملك أي سمات لهوية واضحة وقائم على المصالح المادية الأنانية والغرائز البحتة التي لا تضع في حسابها كل القيم والأخلاق التي يجب أن تسود أي مجتمع صحي فينقلنا المسلسل لأماكن لا توجد فيها رقابة اجتماعية مع غياب شبه تام للأعراف والتقاليد وخاصة في علاقة الأخوة فيما بينهم.
ويفتح مسلسل الأخوة الذي صور الجزء الأول منه في إمارة أبو ظبي بابا واسعا أمام الدراما السورية خصوصا والعربية عموما للاشتغال على مثل هذه النوعية من الدراما الهاربة من أي انتماء اجتماعي أو رقابة أخلاقية لتقدم المال والجنس كمحددات اساسية في العلاقات البشرية ليتجاوز صناع هذا النوع الدرامي المصنع في مختبرات شركات الإنتاج حتى الدراما التركية الملهمة لمثل هذه المسلسلات فهي في النهاية كانت تعبر عن مجتمع يحمل الكثير من التناقضات ولكنه يرتبط بمحددات اجتماعية وتقاليد ظاهرة وليست مسلوخة عن واقعها.
ومن ناحية الجانب الفني جاء الإخراج متطورا على صعيد الصورة وزوايا الكاميرا التي أجادت التعاطي مع اداء الممثلين واختيار مواقع تصوير جذابة ولكنها سقطت أحيانا في فخ التكرار لزوايا التصوير لكون المواقع التي اختيرت كانت محدودة نوعا ما مع محدودية الأبطال ومع العدد الكبير لحلقات المسلسل في جزئه الأول والتي تجاوزت الخمسين كان هناك بعض الملل في الصورة المتكررة بعض الشيء.
أما أداء الممثلين فجاء بمستوى جيد عموما مع تميز للبعض في تجسيد التخبطات النفسية للشخصيات التي يؤدونها فكان كل من الفنانين تيم حسن ومحمد حداقي وقيس الشيخ نجيب متميزين في تقديم شخصيات مضطربة وبالمقابل كان هناك أداء باهت من قبل بعض الفنانين الذين لم يكونوا مقنعين في أدائهم للمشاهد بشكل كبير.
وجاءت بقية الأمور الفنية من إضاءة وصوت وديكور وأزياء وغيرها احترافية في طريقة عملها وكانت أحد أهم عوامل تقديم الصورة الجميلة والمعبرة عن الأحداث وأبطالها ضمن الأمكنة الفخمة التي تدور فيها مجريات المسلسل.
ولعل تقييم تجربة مسلسل الأخوة سيكتمل مع انتهائه والتي يبدو أنها ستطول مع تصوير جزء ثان منه حاليا بعد الجزء الأول الذي انتهى عرضه على بعض المحطات العربية وعندها يجب تحديد مدى تقبل الجمهور لمثل هذه الأعمال الطويلة التي لا تقدم حبكة معقدة بقدر ما تدخل في صراعات يومية قائمة على مكاسب فردية ومادية وغرائزية.
وهنا تطرح الكثير من الأسئلة حول أهمية مثل هذه الأعمال الدرامية في مثل هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها سورية والمنطقة العربية فهل يمكن اعتبارها فتحا دراميا جديدا للدراما السورية وتفوقا على سواها من الدرامات العربية عبر قدرتها على إعادة استثمار نجاحات الدراما التركية في المحطات العربية وخاصة أن اللهجة السورية هي التي فتحت لها الأبواب العربية أم أن هذا دليل واضح على انحدار الدراما السورية وفقدانها لهويتها وارتباطها بمجتمعها.
وللاجابة على تساؤلاتنا علينا أن نعرف بالأساس لمن تنتج مثل هذه الأعمال وخاصة أنها تمول من شركات إنتاج سورية ولكنها مباعة سلفا للمحطات العربية التي باتت تطلب هذا النوع من الدراما التي تحقق جذبا جماهيريا كبيرا وذلك لتقديمها كل مقومات السلعة التجارية الرخيصة من محاكاة للغرائز وحب المال على حساب القيم والأعراف والتقاليد وبالحد الأدنى البعد عن الهموم الحياتية اليومية والواقع الذي نعيشه.

محمد سمير طحان