العراق بين مطرقة الإرهاب وسندان التقسيم-الوطن العمانية

في واحد من أكثر الأيام دموية استيقظ العراق أمس على واحدة من أشرس الهجمات الإرهابية مستهدفة كعادتها جمعًا من الأبرياء لتوقع وتصيب أكثر من 160 عراقيًّا بين قتيل وجريح، وذلك في انفجار شاحنة مفخخة مركونة وسط سوق شعبية لبيع الخضار والفاكهة بالجملة في مدينة الصدر بشمال بغداد قرابة الساعة السادسة صباحًا.

وتأتي العملية الإرهابية الجديدة حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الإرهاب المتصاعد الذي يدمي العراق صباح مساء، وهو إرهاب في حقيقته لم يكن ليصل إلى هذه الدرجة غير المسبوقة لولا توافر المناخ العام، سواء داخل العراق أو خارجه، والثوب الجديد الذي ارتدته بعض القوى الدولية والإقليمية بتحالفها مع الإرهاب وأدواته ودعمه بالمال والسلاح، واتخاذه سلاحًا لزعزعة استقرار الدول العربية وخاصة الدول ذات الدور المؤثر وذات الإمكانات الاقتصادية والبشرية.

ليس مبالغة أن توالي هذه الهجمات الإرهابية الدموية لن تغادر الذاكرة الجمعية العراقية خاصة والعربية عامة، من حيث إنها نتيجة مباشرة للغزو الأنجلو ـ أميركي الذي مُدَّت جبال الكذب لتحجب الحقيقة الكائنة خلفه، وهي بدء مرحلة جديدة من الاستعمار الغربي لرسم خريطة المنطقة وفق المشروع الصهيو ـ أميركي الجديد لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، والسيطرة على مناطق ثروات المنطقة، والذي اتخذ من “نشر الديمقراطية وحماية المدنيين وحقوق الإنسان” رأس حربة له لمباشرة عملية التدمير والتفتيت.

من الواضح أنه لم ولن يكفي أدوات الإرهاب وداعميه ما أراقوه من أنهار الدم في المدن والقرى والحواضر العراقية على مدى أكثر من عشر سنوات مضت، بل إنهم مصرون على مواصلة سفك الدماء وتعميد كل بيت عراقي بالدم، أراد الداعمون وأدوات الإرهاب من إرهابهم إدخال العراقيين في أتون حروب طائفية لا تنتهي وصراعات سياسية داخلية لا تختفي، وعلى حساب الولاء الوطني للعراق الجامع لكل المكونات العراقية، ولأسباب بدأت تتكشف تباعًا وعلى لسان القادة السياسيين والعسكريين الأميركيين، فها هم يغسلون أيديهم من دم العراقيين بمزيد من الدماء من خلال حديثهم عن دور ما أسموه “استحالة المصالحة بين العراقيين وأن الحل يكمن في تقسيم العراق” وفق رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال رايموند أودييرنو الذي صرح في مؤتمر صحفي وداعي أمس الأول قبل تقاعده اليوم الجمعة ردًّا على سؤال عن فرص المصالحة بين الطرفين، أن الأمر “يزداد صعوبة يومًا بعد يوم والتقسيم هو الحل الوحيد”، متوقعًا (رايموند) الذي كان قائدًا للقوات الأميركية في العراق بين العامين 2008 و2010، أن مستقبل العراق “لن يشبه ما كان عليه في السابق”.

يقينًا، وأمام هذه الاعترافات الأميركية الصريحة وأمام ما صنعه الغزاة من مشاهد القتل المجاني اليومي في العراق والذي استعر وازداد شراسة منذ نشوب الأزمة السورية، فإن واجبًا علينا أن نعيد الاعتبار لنظرية المؤامرة التي ظلمتها وأنكرتها قطاعات واسعة من دوائر السياسة والإعلام العربية، حتى كبرت كرة الثلج وتمدد أثرها بشكل لافت، فباتت أقطار عربية أخرى في طوق المواجهة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي مؤهلة لتكون عراقًا آخر بمفردات تآمرية مختلفة، وبقي خبر القتل في العراق وحيدًا شريدًا كفقرة الطقس الجوي في النشرات الإخبارية.

إذًا، يقر الأميركي بأنه يعمل على تمرير جرائمه ومخططاته في المنطقة من خلال تبايناتها الدينية والطائفية والسياسية، فامتداد كرة لهب المذهبية والطائفية وتديين الصراع السياسي في العديد من دول ما يسمى “الربيع العربي”، هي صورة معبرة ودالة على أصابع التآمر التي تتلاعب بمقدرات المنطقة لتقدم العراق كنموذج إجابة معتمد لأسئلة تقتل أكثر مما تستفهم، وتحرق أكثر مما تستكشف، وتقسم أكثر مما تفكر، وهنا ينكشف مدى قوة المناعة العربية في احتواء ما يحدث، وأولها الحسم والحزم مع الأميركي لوقف تدخلاته ودحر مخططاته ورأب الصدع العربي على قواعد وطنية قومية، تعيد للعروبة اعتبارها وللصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي مكانته اللائقة كرأس للفتنة ولغز الألغاز فيما يحاك للمنطقة من مؤامرات ومخططات.

رأي الوطن

انظر ايضاً

الوطن العمانية: عودة سورية إلى الجامعة العربية تعيد الدور العربي لمكانته الصحيحة

مسقط-سانا أكدت صحيفة الوطن العمانية في افتتاحيتها اليوم أن العودة السورية إلى الجامعة العربية تمثل …