الشريط الإخباري

ناظم الجعفري.. متصوف الفن يرحل بصمت

دمشق-سانا

رحل المعلم ناظم الجعفري بعد مشوار طويل مع اللوحة تجاوز الثمانين عاما دون أن يشعر برحيله أحد كما كان يعيش وحيدا في مرسمه مع لوحاته وهو الناسك والمتصوف في محراب الفن والزاهد بالالقاب والشهرة.

ويعتبر الجعفري أحد الرواد في التشكيل السوري ومعلم الواقعية الانطباعية السورية وذاكرة دمشق القديمة مدينته التي خصها بآلاف اللوحات بريشته الساحرة فلم يترك زقاقا من ازقتها الا ورسمه ولا معلما من معالمها الا وخطه بالوانه وقلمه كما كان له مع البورتريه رحلة بحث لا تنتهي حيث لا تزال تجربته الغنية دفينة حتى اليوم في مرسمه بآلاف اللوحات المجهولة والتي تحتاج لاخراجها للناس وإلقاء الضوء عليها وتقديرها بالطريقة التي تستحقها.1

والجعفري المولود في دمشق عام 1918 امتلك اسلوبية فنية خاصة إلى جانب افكاره الفلسفية والحياتية المغرقة في فرادتها والتي كان على استعداد لترك العالم بكل ما فيه في سبيل المحافظة عليها وعدم التخلي عنها فهو الوفي لهذه الافكار لدرجة التوحد معها ما أوقعه في كثير من الاشكالات مع محيطه الرافض لاي أفكار غير نمطية او تقليدية وجعل من حياة متصوف الفن صعبة ومليئة بالمطبات فعزله عن اي تجمعات فنية او جماعات فكرية وهو الرافض للمساومة او المهادنة لتحقيق غايات انية فعرف عند كل من حوله من الوسط التشكيلي او من طلابه ومحيطه الاجتماعي بالفنان الغريب الانطوائي والزاهد وكانه خلق للرسم دون غيره.

ورغم غرابة الجعفري عن محيطه اينما وجد الا انه استطاع ان يحفر عميقا في وجدان طلابه بشكل خاص من الجانب الانساني فهو الناصح بصدق والصريح لدرجة الصدمة مع كل طالب من طلبته في كلية الفنون الجميلة وهو الذي كان يقدر المواهب الحقيقية منهم ويمسك بايديهم ليدلهم على الطريق بايسر السبل مختزلا تجربته الكبيرة في بضع ملاحظات في العمق.

وكان الجعفري المتخرج من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1947 عندما يلمس بوادر موهبة استثنائية لدى احد طلابه يسمح لهذه الموهبة ان تدخل محرابه الفني الذي يمارس فيه طقوس الفن المقدس وهذا كان كفيلا وكافيا لاي موهوب مبتدئء في مشوار الرسم ليكون مخزونا بصريا ومعرفيا ودافعا حقيقيا للاستمرار في رحلة البحث عن المدهش في الفن وهذا ما يجمع عليه طلاب الجعفري المميزون اليوم بعد ان اصبحوا عماد الحركة التشكيلية السورية ومبدعيها.

مبادرات فردية هنا وهناك كانت تقام من فترة لاخرى لتكريم هذا الفنان من خلال بعض المعارض الجماعية او النشاطات الفكرية ولعل تكريم وزارة الثقافة له عام 2005 عبر معرض استعادي لاعماله في المتحف الوطني مع طباعة كتاب عن رحلته الفنية وتصوير فيلم للفضائية السورية عن حياته وأخيرا منحه جائزة الدولة التقديرية سنة 2012 يعتبر ابرز ما تم تقديمه لهذا المبدع اثناء حياته.

ربما سيأتي اليوم الذي سيعرف السوريون اكثر عن ناظم الجعفري الانسان والفنان الذي رحل عن عمر ناهز المئة عام وسيقدرون هذه القامة العملاقة في الفن السوري والتي ستبهر العالم عندما تخرج اعماله للاضواء بعد سنين من العتمة والغبار ولعل مناسبة وفاته في هذا الوقت تكون فرصة للتذكير بانه كان بيننا مبدع نذر نفسه للفن وهو لا يقل في قيمته الفنية عن اهم فناني العالم اجمع بل ويزيد عنهم انه شكل برحلته الطويلة ذاكرة للتشكيل السوري وتجربة فنية واقعية رصينة حافظت على نفسها رغم كل الهجمات الفكرية والفنية من كل حدب وصوب في انتظار تحقيق الحلم الذي سعى إليه الراحل دون أن يحققه وهو اقامة متحف لأعماله.

محمد سمير طحان