الوطن مصدر التعريف- بقلم عمران الزعبي وزير الإعلام

بين الواقعية السياسية والصوفية الوطنية تدور تفاصيل الحكاية السورية عبر تاريخ عميق وموغل في القدم.
تفاصيل جوهرية تعكس أسرار العلاقة مع المكان والزمان, مع التراب والهواء والماء هنا في هذه البقعة من الدنيا.
وبين حدي التفاصيل تقف الجمهورية العربية السورية, الدولة بكل مكوناتها وحيثياتها لممارسة مهامها وواجباتها بكل تفهم وفهم لطبائع الحرب على الدولة وأهداف هذه الحرب بعد إدراك واع لمقدماتها ومقولاتها التي حاولت تزييف المسارات والأهداف الحقيقية للحرب.
وبقيت الصوفية الوطنية حاملاً مميزاً لأداء السوريين الوطنيين خلال سنوات الحرب على دولتهم, حاملاً أنتج مسافة واضحة صريحة بين الخطأ والصواب, بين الوطنية واللاوطنية وبين الانتماء الوطني والخيانة واضعاً كل أمر في موضعه الطبيعي.
ولذلك يمكننا أن نكتب ونقول: إن الوعي الوطني المستغرق في الحب شكل المناعة السورية التي حالت دون تحقيق العدو لأهدافه.
ولعل أبرز محطات هذه المناعة وتجلياتها الشعبية تجسد في الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بشار الأسد بمنصب رئيس الجمهورية في ظل أحكام دستور الجمهورية العربية السورية النافذ.
فما الذي عكسته العملية الديمقراطية تلك وكيف بدت معالم المناعة الشعبية في السياق الوطني العام بكل محدداتها:
أولاً: إسقاط الخطاب الاستعماري بجميع أدواته ومفرداته وتعريته نهائياً لجهة ادعاءاته المزيفة ولاسيما الحديث عن تمثيل الشعب العربي السوري من قبل عصابات وزمر وأشخاص لا يمثلون حتى أنفسهم لأنهم أجراء عند أجهزة مخابرات عربية وغربية.
ثانياً: صلابة الذات الوطنية السورية وقدراتها الإبداعية في مواجهة المحنة على الصعد المختلفة المعيشية الحياتية والأمنية والسياسية والعسكرية.
ثالثاً: ثبات الوحدة الوطنية بمفهومها السياسي والإنساني والأخلاقي ومضامينها الثرية التي تمكنت من اجتياز اختبارات صعبة ومعقدة.
رابعاً: حجم الدعم والتأييد الشعبي للرئيس بشار الأسد الذي عكس التفويض المتضمن للاستمرار في قيادة وإدارة الدولة وفق الثوابت الوطنية الراسخة من جهة واستناداً إلى معطيات الحرب وأدوات مواجهتها وحتى الوصول إلى مرحلة الإعمار الإنساني والاقتصادي والعمراني وإنجازها وتمكين الدولة من الإفادة من ثمرات ذلك كله.
خامساً: ترسيخ الهوية القومية للمشروع الوطني رغم أن الحرب استهدفت إسقاط هذا البعد التاريخي من هوية الدولة السورية عبر تهويد العمل المشترك ودفن مفهوم التضامن العربي وتشويه صور المقاومة الوطنية.
سادساً: رفض الصور المختلفة للمساس بالسيادة الوطنية عبر التدخل السياسي أو الأمني أو العسكري وعبر العقوبات وتجييش الأعداء والخصوم وصيانة مفهوم السيادة الوطنية وتحويله إلى واقع عملاني عبر الدفاع بقوة وإرادة عن العلم والنشيد والأرض والحدود وسلطة الدولة وهيبتها.
سابعاً: التأكيد أن المرحلة المنصرمة من الحرب على سورية بكل ما فيها من تفاصيل هي موضع تصديق متبادل بين الشعب والقائد الرئيس بشار الأسد في مضامينها ومواعيدها وأهدافها ونتائجها. بما يؤكد المسؤولية الوطنية المشتركة للشعب والقيادة في إدارة المعركة وبناء الدولة.
إن قدرة الشعب العربي السوري على استعادة الاستقرار والأمن وبناء ما تهدم وترميم الفجوات وسد الثغرات وتحقيق المصالحات وطرد الغزاة هي قدرة عميقة وكبيرة وغير محدودة بزمان أو مكان لكن الأمر يحتاج في كل وقت إلى التنظيم وحسن الإدارة وتولية أصحاب الإرادات الوطنية والكفاءات الخبيرة فالوطن ليس مزرعة ولا حياً أو مدينة وهو بالتأكيد ليس شخصاً أو مجموعة أشخاص وليس طائفة ولا مذهباً ولا طريقة.
الوطن هو مصدر التعريف لكل ما تقدم فإذا أساء إليه أحد تحت أي ذريعة ولأي سبب كان وجبت محاسبته قيمياً وقانونياً.
والوطنية ليست حكراً لأحد ولا يستطيع أي كان أن يشق عن صدر أحد لمعرفة مدى وطنيته والتزامه.
لكن الممارسة الفعلية والأداء وحتى الخطاب هي انعكاس للوطنية فمن تاجر بالموت أو بالحرب أو بلقمة الناس وخبزهم أو مصالحهم لايستطيع أن يزعم بأنه وطني، ومن تخلى ولم يكترث ونأى بنفسه وكأن الحريق لا يعنيه ولا يمسه لا يستطيع أن يزعم بأنه وطني.
وهكذا فإن إعادة الاستقرار والبناء يحتاجان إلى محاسبة عنوانها الأساس مواجهة ماكينة الفساد وتعميق وتعميم ونشر ثقافة الحقوق العامة والشخصية ودعم مؤسسة القانون بكل هياكلها ومؤسساتها.
اليوم في وسعنا القول: إن الرمادية السياسية لون باهت ومقيت وإن التعبير السياسي المدني أي الممارسة السياسية عبر الأحزاب والمؤسسات معبر لا بد من سلوكه وترسيخ أسسه.
إن الأوطان لا تبنى من دون الإيمان ومطلع الإيمان العمل والالتزام والتخلص من الأنا والشخصنة والفردية وعدم الثقة بالغير واحتكار الصلاحيات وإساءة استعمال السلطة والاتكاء على النص الجامد والتفسير الذاتي لإرادة الدولة والطغيان على عقل الدولة وضميرها.
وببساطة نقول: إن انتخاب الرئيس بشار الأسد كان من أجل ذلك ومن أجل إرادته الوطنية وعقله المؤسساتي وخبرته القيادية وسلوكه المناقبي ممثلاً ومعبراً عن طموحات وآمال السوريين الوطنيين.
لقد آن الأوان للقوى السياسية التي مارست الجمود ظناً منها أنه الثبات.
ومارست اجترار الخطاب ذاته ظناً منها أنه التأكيد.
ومارست السلبية السياسية ظناً منها أنه الاختلاف.
ومارست العدمية السياسية ظناً منها أنه أسلوب معارضة.
لقد آن الأوان لتجري المراجعة اللازمة كما جرت في الأحزاب الأخرى.
وهذه المراجعة ليست هزيمة وليست تنكراً بل هي مصلحة وطنية عامة تتجاوز حدود المصالح الحزبية الضيقة.
عاشت سورية العربية، هذه مقولتنا وإيماننا وختام مقالنا.

صحيفة تشرين