بين كي مون ولوبان-صحيفة الثورة

لا تبدو المسافة الفاصلة بين لوبان وكي مون، في السياسة هي ذاتها التي تفصل بين موقفهما الأخير الذي يبدو متقاطعاً في نقاط، وإن جاءت أوضح في كلام «السياسية» الفرنسية مما هي في كلام الأمين العام للأمم المتحدة، وكانت واضحة ربما لا تحتمل التأويل ولا التفسير المزدوج، ولا هي حمّالة أوجه كما درَجت العادة في الكثير من المواقف الغربية، رغم أن المنطق يفترض العكس أو يتطلب أن يكون مقلوباً بصيغة ما.

وبغضّ النظر عن مدى تأثير ما تحدث به الاثنان على مستوى السياسة الدولية، لكنهما معاً وبما سبقهما من مواقف متأخرة لسياسيين آخرين مترافقة مع أصوات إعلامية ودبلوماسية تخرج بين الفينة والأخرى تصلُح لتحريك المياه الراكدة التي أطبقت صمتاً على الكثير من قادة العالم وانسحبت العدوى إلى منبر الأمم المتحدة، حيث النفاق هناك يشهد فائضاً لم يسبق للمنظمة الدولية أن عاصرته، حتى في أحلك أيامها وأخطر مراحل تجاذبات المشهد الدولي.‏

فمعيار المسؤولية ليس مقتصراً على غياب قول الحقيقة أو المساهمة في تسويق الأضاليل والأكاذيب التي تضج بها المنظمة والساحة السياسية العالمية، بل هي أيضاً تنسحب على مفاهيم عائمة تحاول اليوم أن تسطو على ضمير السياسة الذي اعتاد الغياب قسراً أو طوعاً على مدى عقود خلَت وازداد هذا الغياب مع تفاقم حالة المعايير المزدوجة التي تواجه العالم.‏

وإذا كان من المستبعد أن يكون تحولا ولا حتى أن يلقى صدى أبعد مما هو متاح، وهو بالتأكيد لا يمكن أن يمسح تاريخاً طويلاً ومتخماً من المواقف غير الموضوعية التي خرج بها الأمين العام حيال الأزمة في سورية، فإنه يفتح سجالاً طويلاً في سياق تداعياته على الكثير من المقاربات الخاطئة التي انتهجها سياسيون وإعلاميون ودبلوماسيون كانت مهمتهم ومواقفهم تقتضي في حدّها الأدنى الابتعاد عن الانخراط في الأكاذيب والانجرار وراء مواقف تشتري وتبيع في الحقيقة حسب المصالح الشخصية الضيقة أو تبعاً لاعتبارات التبعية.‏

ويأتي التوقيت سواء كان مصادفة أم جاء في سياق حالة فرضتها معطيات وتطورات، وسواء كان موقفاً شخصياً أم يعبّر عن توجه يفرض نفسه على السياسة الدولية أو من منطلق مصلحي، يأتي ليسجل بدوره مؤشراً بالغ الأهمية في ظل انهيار متتال لكثير من جدران الصدّ التي أقامتها السياسة الغربية على مدى السنوات الماضية، وفي بعض الأحيان بمثابة انهيار لمجموعة من المسلّمات في المنظومة السياسية الغربية.‏

على أن هذا كله يصعب الجزم به، أو البناء عليه ما لم ترافقه في الحدّ الأدنى سلسلة من المواقف المعبّرة عنه والقادرة على الخوض في تدرّجات تطوره اللاحق، خصوصاً ما يتطلبه على مستوى المنظمة الدولية وما يفرضه موقعها ودورها في ذلك على مساحة المشهد الدولي وما يحمله من ظواهر ملحقة به عبر منظماته المختلفة، باعتبار أن الأمين العام لا يشكل في نهاية المطاف أكثر من صدى لحركة التجاذبات داخل المشهد الدولي، وهامش حركته في الغالب محكوم بما يمليه صراع الإرادات الدولية، لكنه من هذا الموقع يستطيع أن يفعل جزءاً من مهامه ودوره أقلّها ألا يكون جزءاً من التأجيج الذي تحدث عنه وألا يكون مساهماً مباشراً أو غير مباشر بذلك.‏

تحت هذه العناوين نستطيع أن نتخيل شكل ونموذج المشهد المنتظر إذا ما صدقت النيّات وتوفرت الإرادة لموقف يحاكي الوقائع بتجرّد ولو لمرة واحدة، إن لم يكن بموضوعية ندرك استحالتها باعتبارها شأناً يصعب على عاقل أن يتخيلها في الوقت الراهن، وسط محاولات حثيثة لا تخفى على أحد للاستحواذ على المشهد العالمي مدفوعاً برغبة أميركية بإعادة تأكيد سطوتها ودورها وموقعها والتلويح بإصرارها على التفرّد في قيادة العالم، رغم ما يواجهها من دلالات على أفول زمن التفرّد منذ سنوات.

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …