سامي الدروبي… قنديل الترجمة للغة العربية

دمشق-سانا

في “السابع والعشرين من نيسان” عام 1921 كان العالم على موعد مع ولادة الكاتب والمترجم والدبلوماسي السوري الدكتور سامي الدروبي الذي بات علماً من أعلام حركة الترجمة العربية، وصفحة مشرقة في تاريخ الترجمات إلى اللغة العربية.

كثيرون من تغنوا بالأسلوب المرهف لابن مدينة حمص، ورشاقة عبارته في الترجمة، ومن أشهر ما قيل فيها “إذا ما قرأت ترجماته تنسى نفسك وتتوهم أنك تقرأ نصاً عربياً أصيلاً لم ينقل عن لغة أخرى، بل كتب بالعربية منذ البداية وبكلمة واحدة تشعر أنك أمام بيان عربي ساحر”.

درس الدروبي المرحلتين الابتدائية والثانوية في حمص، لينتقل إلى دمشق فور حصوله على شهادة الدراسة الثانوية، وعين معلماً في قرى الجولان السوري المحتل، وانتسب إلى دار المعلمين العليا ليعود إلى مدينته معلماً، وأسهم في الأنشطة الاجتماعية، حيث انضم إلى مجموعة عملت على المبادرات الإنسانية المختلفة، وتحديداً فترة انتشار وباء الملاريا في حمص.

وفي عام 1943 أوفد سامي الدروبي إلى مصر، ودرس الفلسفة، وتخرج في جامعة القاهرة وعاد إلى سورية ليتم تعيينه مدرساً للفلسفة، وفي عام 1949 كلف معيداً في كلية التربية بجامعة دمشق.

وخلال أيام الحرب العالمية الثانية 1939-1945 اشترك مع زميل له بترجمة الكتب واستطاعا ترجمة كتابين، أحدهما بعنوان “ما بين التربية وعلم النفس” والآخر عنوانه “الفلسفات الكبرى”، ولكنهما لم يتمكنا من نشرهما لغلاء الورق في ذلك الحين، غير أن حكمت هاشم الأستاذ في كلية التربية قد قام بترجمة كتاب “الفلسفات الكبرى” ونشره.

واستطاع الدروبي أثناء وجوده في القاهرة نشر أحد هذين الكتابين، ليبدأ مسيرة التنامي كمترجم أصيل فتبوأ في عام 1960 مستشاراً ثقافياً في البرازيل، ثم عاد بعد أشهر إلى دمشق بوصفه أستاذاً في كلية التربية في جامعة دمشق.

الدروبي الذي أسرته مؤلفات الكاتب الروسي “دوستويفسكي” وهو في السادسة عشرة من عمره، وبعد تعلقه بعالم الترجمة أخذ يترجم بعض فصوله ليترجم فيما بعد المؤلفات الكاملة في ثمانية عشر مجلداً، وترجم لكل مجلد مقدمة وكتب المقدمة النقدية بنفسه حيث ألف كتاباً بكامله بعنوان “الرواية في الأدب الروسي” الذي صدر بعد وفاته بست سنوات في عام 1982 عن دار الكرمل بدمشق.

وتميز الدروبي باختيار المؤلفات التي ترجمها بنفسه فكان يترجم المؤلفات ترجمة أدبية، وجعل منها رسالة سامية، وليس عملاً يتقاضى عنه مالاً، وترجم العديد من الكتب مجاناً بسبب إعجابه بالعمل الأدبي.

وفي هذا السياق ترجم كتاب “الموسيقي الأعمى” للكاتب الروسي “كورولينكو” وأهدى الترجمة لدار التقدم “بموسكو” دون مكافأة مادية ليقرر هذا الكتاب للمطالعة في الصف الثالث الإعدادي في سورية عام 1967، وبلغ عدد نسخ هذا الكتاب 275 ألف نسخة، الأمر الذي اعتبره الدروبي أكبر مكافأة ينالها في حياته.

بعد ممارسته لمهنة التدريس لعام واحد، ومتابعته لدراسته في كل من مصر وباريس، ومن ثم عودته ليكون أستاذاً في علم النفس، عين في أيام الوحدة بين سورية ومصر مستشاراً ثقافيا لسفارة الجمهورية العربية المتحدة في البرازيل عامي 1960-1961، بعد الانفصال طلب إعادته إلى دمشق ليعود إلى التدريس في جامعة دمشق.

وعين سفيراً للجمهورية العربية السورية في المغرب عام 1963 وفي يوغسلافيا عام 1964، ثم مندوباً للجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية عام 1966.

وفي آذار 1971 كان مندوباً دائماً للجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية، بعدها أصبح سفيراً لسورية في إسبانيا، لكنه طلب إعادته إلى دمشق عام 1975، نظراً لظروفه الصحية القاسية، واستمر في أعماله الأدبية حتى نهاية حياته.

للدروبي ترجمات في الفلسفة، أهمها مؤلفات لكارل ماركس وجان بول سارتر، وترجم في السياسة “مدخل إلى علم السياسة” لموريس دوفرجيه، وفي علم النفس ترجم “علم النفس التجريبي” لروبرت ودروتش، أما في الأدب، فهو الغني عن التعريف، وله عدد من المؤلفات والمقالات المنشورة في عدد من الدوريات.

وأنجز الدروبي ترجمة مؤلفات دوستويفسكي الكاملة، ويقارب عدد صفحاتها أحد عشر ألف صفحة، وأنجز خمسة مجلدات من المؤلفات الكاملة لتولستوي، والتي يصل عدد صفحاتها إلى خمسة آلاف صفحة، وهو في صراع بين الحياة والموت إثر المرض وأهدى الدروبي مكتبته لجامعة دمشق، التي قبلت الهدية برسالة خطية شكره فيها رئيس الجامعة آنذاك.

وبعيداً عن الأدب الروسي ترجم الدروبي ثلاثية الكاتب الجزائري “محمد ديب”، وهي “الدار الكبيرة، الحريق، النول (عن اللغة الفرنسيّة)”، كما ترجم عن اللغة الفرنسية كتاب “فان تيغم” بعنوان الأدب المقارن، وهو من المراجع الأساسية في هذا العلم، وترجم رواية “جسر على نهر الدرينا” للروائي اليوغوسلافي “ايفو اندريتش” وهي الحائزة جائزة “نوبل” للآداب.

ومن روائع الأدب العالمي كان له العديد من الترجمات والمؤلفات في سورية والعالم، أهمها “علم النفس والأدب” الصادرة عن دار المعارف في القاهرة عام 1972 و”علم الطباع” المدرسة الفرنسية في القاهرة 1961، وعلم النفس ونتائجه التربوية دراسة بالاشتراك مع حافظ الجمالي صدرت في دمشق، وترجمة كونكاس بوريا، صادرة عن وزارة الثقافة في دمشق 1963، وترجمة “ابنة الضابط” دمشق” 1953 و”معذبو الأرض- “فرانزفانون” ترجمها مع الدكتور جمال الأتاسي “بيروت” 1966 وترجمة سيكولوجية المرأة وغيرها الكثير من الدراسات.

وله مخطوط “من أغاني السكارى على نهر العاصي بمدينة حمص” ونشرت له العديد من المقالات في الدوريات منها العدد الثاني مجلة “الشهر” في نيسان 1958 مقالة “النظر الفلسفي في ثقافتنا المعاصرة” ومقالة “طبيعة الأدب” مجلة “المعرفة” عدد 7 عام 1962، ومقالة “طبيعة الأدب والفنان في ضوء التحليل النفسي” عدد 8 عام 1962 وفي العدد 12 منها عام 1963، مقالة بعنوان “الإنتاج الفلسفي في الثقافة العربية المعاصرة”.

وحاز الدروبي العديد من الجوائز والأوسمة ففي عام 1971 تقلد وساماً من الرئيس المؤسس حافظ الأسد لجهوده في إنجاز الميثاق الثلاثي وإعلان الدولة الاتحادية بين مصر وسورية وليبيا وفي عام 1964 حاز وساماً من الرئيس اليوغسلافي الراحل “تيتو ” كسفير وكاتب وأديب، وكرم في الذكرى الثانية لوفاته في المركز الثقافي العربي بحمص، وسميت قاعة المحاضرات في المركز الثقافي باسم الفقيد الدروبي.

كانت حياة “الدروبي” قصيرة، حيث وافته المنية في سورية في الثاني عشر من شباط عام 1976 عن عمر لا يتجاوز الرابعة والخمسين، ولكنها غنية بالعطاءات وبعد رحيله كتبت زوجته إحسان البيات سيرته الذاتية بعنوان “سامي الدروبي” ونشرتها دار الكرمل بدمشق عام 1982 في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأحدثت وزارة الثقافة مسابقة بعنوان “جائزة سامي الدروبي للترجمة” وعن هذه الجائزة قال مدير الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور نايف الياسين في تصريح لـ سانا: “تكريماً له وتقديراً لفضله، أحدثت الهيئة العامة السورية للكتاب جائزة سامي الدروبي للترجمة التي تمنح سنوياً لأفضل كتاب مترجم، وينبغي أن يكون في مثال الدروبي ما يشعر المترجمين، على نحو خاص، بالفخر فرغم أعماله الأخرى المهمة، يسلط الضوء عادة على ما ترجمه من أعمال أدبية خالدة”.

وأضاف الياسين: “الدكتور سامي الدروبي من الشخصيات التي تفخر بها سورية؛ فقد عاش حياة فكرية خصبة وغنية فكان مفكراً وأكاديمياً، كاتباً ومترجماً متميزاً، وعمل في كل هذه المجالات الفكرية إضافة إلى عمله السياسي والدبلوماسي”.

وأشار إلى أنه رغم عمله المهم في الميدانين الأخيرين إلا أنه ما زال حياً في عقول عدد كبير من القراء بفضل ترجماته، ولا سيما ترجمة أعمال الأديبين تولستوي ودستويفسكي.

أماني فروج

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency