سورية والربيع العربي الحقيقي.. بقلم: عبد الرحيم أحمد

الحراك السياسي الكثيف والزيارات المتتابعة لوزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد من القاهرة إلى الرياض فالجزائر وتونس تنبي عن انفراجة واسعة في العلاقات العربية مع سورية، وخصوصاً بعد الزيارات الرئاسية التي قام بها الرئيس بشار الأسد لكل من سلطنة عمان والإمارات.

فدمشق التي كانت على مر الزمان قلب العروبة النابض وبيت العرب، قولاً وفعلاً، تستقبلهم من دون تأشيرات دخول كأنهم أهل البيت، هي ذاتها اليوم بعد 12 سنة من الحرب الإرهابية التي شنت عليها، فما بدلّت ثوابتها ولا موقفها من أشقائها، وهي اليوم تتعالى على الجراح وتفتح أبوابها لكل من أعاد النظر في سياساته السابقة من دون حقد أو عقد، فمن عاد حبّاً، أهلاً وسهلاً، ومن تردد أو تحفظ فتلك مشكلته.

تفيد المصادر في دمشق بأن وزير الخارجية السعودي يحط في العاصمة السورية اليوم لإجراء لقاءات مع المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم الرئيس الأسد معلناً فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بعد انقطاع دام أكثر من عشر سنوات.

تولي سورية اهتماماً خاصاً بإعادة تطبيع العلاقات الثنائية مع الدول العربية التي أبدت رغبة واضحة في طي صفحة المقاطعة التي تجاوزت العشر سنوات، وتعكف دمشق على نسج هذه العلاقات من دون ضجيج أو تباه بأنها كانت على صواب، وأن الجميع عاد ليطرق أبوابها بعدما فشل الرهان على إسقاطها بالإرهاب الغربي والحصار الاقتصادي.

سورية اليوم كما كانت عبر تاريخها، تؤكد أن مستقبل المنطقة يصنعه أبناؤها، وأن مصير العرب في توحيد كلمتهم وترسيخ تعاونهم، وهي ترحب بأي جهد عربي حقيقي يسهم في توطيد التعاون بين الدول العربية ويساعد في مجابهة التحديات المستجدة منها وتلك التي أفرزتها سنوات الخراب والدمار التي جلبها “إرهابيو الربيع العربي” للعديد من الدول العربية ومنها سورية.

الحراك العربي نحو دمشق يشير إلى أن العرب تعلموا الدرس القاسي الذي تعرضوا له على مدى العقد الماضي، فما جرى في ليبيا وسورية والعراق ومصر وتونس واليمن وفي السودان الذي يتعرض هذه الأيام لمحاولة جديدة للتقسيم بعد انفصال جنوبه قبل سنوات برعاية أمريكية إسرائيلية، يفرض على العرب أن يمتلكوا زمام المبادة في إدارة شؤونهم وعلاقاتهم بعيداً عن الهيمنة الغربية الأمريكية.

وعلى العرب أن يدركوا أن أي مصالحة أو تسوية يرعاها الغرب، لن تكون سوى فخاً للتقسيم أو التفكيك والتفتيت، فليبيا لم تتعاف بعد من “الربيع العربي” المزعوم المدعوم بطائرات الناتو والعراق لايزال يعاني من تبعات الاحتلال الأمريكي، والسودان أصبح سودانين واليمن تضمد جراحها وسورية تعاني اليوم من الإرهاب والاحتلال الأمريكي والتركي.

العرب الذين اجتمعوا في مدينة جدة السعودية قبل أيام لمناقشة الأوضاع العربية ومن بينها سورية أمام استحقاق تاريخي، إن أرادوا فعلاً القيام بدور ريادي لحل المشاكل والقضايا العربية، وعليهم التنبه لليد الأجنبية، لأن اليد التخريبية الأمريكية والإسرائيلية لن تتوقف عن زرع الألغام في طريق التقارب العربي- مع سورية وكذلك التقارب السعودي- الإيراني الذي يشكل تحولاً مفصلياً في المنطقة.

اليوم المطلوب من الدول العربية التي أعلنت نيتها القيام بدور ريادي لحل الأزمة في سورية أن تضع نصب أعينها أن معظم ما صدر عن مجلس الأمن الدولي من قرارات بِشأن سورية لم يكن يعبّر سوى عن مصالح الدول الغربية وليس عن مصلحة السوريين، لذلك لابد من مقاربة عربية مختلفة عنوانها وحدة سورية وسيادتها واستعادة عافيتها السياسية والاقتصادية وسيطرتها على كامل جغرافيتها، لأن هذه المقاربة هي التي ستقود إلى عودة الاستقرار، وبالتالي عودة آمنة وطوعية للاجئين وإعادة الإعمار والبناء.

الدور العربي الذي غاب عقداً ونيف، يمكن أن يشكل نقلة نوعية في حل الخلافات العربية والأزمات في الدول العربية. وسورية اليوم بحاجة إلى الجهود الصادقة للأشقاء العرب اقتصادياً وسياسياً بعد أن دمرت الحرب معظم الحوامل الاقتصادية من طاقة وصناعة وتجارة، والعرب بحاجة إلى سورية قوية تساندهم وتدافع عن مصالحهم وأن تكون بوابتهم الاقتصادية والتجارية نحو أوروبا.

فسورية ستكون قوية بالعرب وللعرب، وليس لحسابات غربية أو أجنبية، وآن الأوان لربيع عربي حقيقي يقوده العرب بأنفسهم ولمصلحتهم، وعلى العرب أن يدركوا أن مكانهم في القلب إن صدقت النوايا، وما عليهم إلا التعاطي بجدية وواقعية مع سورية للنهوض بها واستعادة عافيتها والتخلص من الاحتلال الأمريكي والتركي ومن الميليشيات الانفصالية والإرهابيين.

انظر ايضاً

الحرب الإعلاميّة مجدّداً-بقلم عبدالرحيم أحمد

هل يصحّ أن نسمّيها حرباً إعلاميّة؟ أم حرباً نفسيّة تستغل فيها وسائل الإعلام بكلّ أشكالها …