صدمة أوباما: الخليج من الداخل-صحيفة البعث

كانت تصريحات الرئيس الأمريكي يوم الأحد الماضي لصحيفة نيويورك تايمز بمثابة الصدمة المزدوجة: صدمة حكام الخليج من جهة، وظهور أوباما كأنه مصدوم هو أيضاً بنتائج قراءة تبدو جديدة للعلاقة بين هؤلاء الحكام والشعب.

قال أوباما: بالنسبة لحلفائنا العرب، كالسعودية مثلاً، فإن لديهم «بعض» التهديدات الخارجية الحقيقية. ولكن لديهم أيضاً تهديدات داخلية: شعوب تشعر أنها مهمّشة – شباب عاطل عن العمل – إيديولوجيا منهِكة «مدمّرة» لا تعترف بالدولة.

ولعلها هذه هي أول مرة ينظر فيها رئيس أمريكي إلى الخليج من الداخل. ينظر إلى معاناة الشعب، وينظر إلى الحكّام من خارج دورهم الوظيفي المربك لحركة التحرر والتقدم في المنطقة والعالم. ولاسيما أن التصريح أتى في إطار تأزّم مشترك تعانيه السعودية و«إسرائيل» في المنطقة. وليس صحيحاً أنه مرتبط بالاتفاق النووي الذي بدأت المحادثات بشأنه قبل اثني عشر عاماً.

والحقيقة هي أن الولايات المتحدة لم تعد دولة كليّة القدرة في المنطقة، إضافة إلى أنها بدأت ترى في الشرق الأقصى أهمية ماتراه في الشرق الأوسط.

لم يكن حديث أوباما عدائياً فلا شتائم ولا اتهامات، ولو أنه صدم النخب السياسية والإعلامية الخليجية المأجورة التي ردّ بعضها كلام الرئيس الصديق، رداً فيه شيء من التحدي – بسبب استمرار تحسّن العلاقة مع الكيان الصهيوني وتلقي الطرفين صدمة مشابهة ومفاجئة من حليف – ووصل التحدي والقلق في بعض هذه الردود إلى اتهام الرئيس بأنه منحاز مذهبياً إسلامياً، ولاسيما أنه ليس كسلفه «في رؤيته لمحور الشر السابق».

والواقع ليس لهذه الصدمة المزدوجة ما يبررها – كثيراً – الآن، فليست هذه الفجوة بين حكام الخليج والشعب جديدة ولا مفاجئة. كما أن أوباما الرئيس المثقّف الملوّن لا يجهل تاريخها، ولا بنية الحكم المستأثرة المستبدّة، ولا الآفاق المنكسرة المسدودة عند باقي فئات الشعب.

لم ينطلق أوباما من موقف عدائي، فهو صديق للسعودية، ولديهما شراكة استراتيجية في الرؤية نحو كثير من قضايا المنطقة، ومع «إسرائيل» تحديداً، وكان حرصه بادياً على الكيانين الوهابي والصهيوني، ونصائحه لهما مشتركة، فالكيانان اللذان يبديان البرَم نفسه بسياسات أوباما الأخيرة يأخذان الاحتياطات نفسها في عدائهما المشترك والواحد للمشروع العروبي، وللمقاومة، وللتيارات والأحزاب والقوى الوطنية والقومية، ولكل منجزات حركة التحرر العربية، باعتبارهما «السعودية وإسرائيل» كيانين وظيفيين، وهذا واضح تماماً تاريخياً وواقعياً.

لذلك ربط أوباما حديثه بأن إضعاف «إسرائيل» هو فشل استراتيجي وأخلاقي، بحديثه عن ضرورة بحث حكام الخليج عن قدرات دفاعية أكثر كفاءة، وهي الاهتمام بالداخل وتجنّب مزيد من الانتهاكات، بالرغم من قناعته بالفرق بين الكيانين من حيث الاهتمام بالديمقراطية والمساواة والانتخابات ودور الداخل. ولا شك في أنه يشعر بمسؤولية أكبر تجاه الكيان الصهيوني الذي يبتزّ الأمريكان، الذين هم بالمقابل يبتزّون الخليج.

لكن من طرف آخر، فليست المسألة بين الأمريكيين والسعوديين مسألة صداقة محضة، أو حرص الصدوق، فقد تخفي في حناياها طلب مزيد من الابتزاز والعمالة والهرولة لحكام الخليج، لأن تلك التصريحات تخفي من جهة ثانية ضيق الأمريكيين ذرعاً بسياسات هؤلاء الحكام التي تخبط خبط عشواء داخلياً وخارجياً: سياسياً واجتماعياً وفكرياً وروحياً… وإرهابياً معولماً متشظّياً.

كما تخفي – أو تعلن – أن الإدارة الأمريكية بدأت تفكّر – اضطرارياً – بدعم تغيير اجتماعي في الخليج لا يستطيع حكّامه تحمّل تبعاته السياسية، ما يعني أن الخليج مقبل على تغييرات كبيرة ومن اتجاهات عديدة لن يكون التغيير فيها بين أبناء سعود على شاكلة التغيير بين آل ثاني.

فلم يعد العالم أجمع يستطيع البقاء صامتاً، ولاسيما الرئيس الأمريكي، عن الانتهاكات السياسية والاجتماعية والإنسانية لحلفائه في المنطقة، وبدأ الجميع يدرك أن الفئات الأوسع من الشعب الخليجي – والتي استفادت من ثورة المعرفة والاتصالات – تشعر بمحدودية طموحاتها، وانكسار أحلامها أمام استبداد الأُسر بمفاصل الدولة وثرواتها، ما دفع هذه الفئات المهمّشة بسبب انسداد الطموح السياسي والاجتماعي إلى الانخراط في صفوف الإرهاب والتكفير الجوّال بحثاً عن الذات التائهة والمضيّعة، فالأمير محمد بن سلمان وهو في الثلاثين من عمره وزير الدفاع السعودي ورئيس الديوان الملكي وو.. يتحكّم بولي العهد، وبولي الولي و… فكيف بمفاصل الداخل؟.

والحال هذه، فالخليج يحترق منذ زمن بنار تحت الرماد، ولن تكون دوله وحكّامه أكثر منعَة في ربيع الخراب. وتاريخياً دور الدولة الوظيفية وكيانها مؤقّتان. فالتحوّل آتٍ، ومستقبل الدولة الوطنية العروبية المقاومة هو الضمان لمصالح الشعب وقضايا الأمة.

بقلم: عبد اللطيف عمران

انظر ايضاً

ما بين قمّة جدّة وقمّة طهران – بقلم د. عبد اللطيف عمران

يحشد الغرب قواه بأنواعها كافة هذه الأيام على شكل قمم متتالية سياسية واقتصادية وعسكرية حشداً …