الشريط الإخباري

على مبدأ أن تأتي متأخراً..بقلم: أحمد ضوا

تشهد المواقف السياسية في المنطقة تبدلات تجاه الأزمات والحروب التي تعصف بها، بعضها لا زال طي التبلور والبعض الآخر أصبح الشغل الشاغل على المستوى السياسي والإعلامي.

لا شك أن هذه التصريحات الإعلامية مهمة، ولكن تبقى صوتية ما لم تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع لإثبات النوايا الحسنة، وإعادة الاعتبار لقيم حسن الجوار، والتعبير الصحيح لأوصاف الإخوة وما تستدعيه من إجراءات وأفعال إيجابية على أرض الواقع.

قد يكون باكراً الحكم على مستجدات المواقف السياسية تجاه سورية، وخاصة من الدول التي ساهمت إلى حد كبير في الحرب الإرهابية على الشعب السوري، ولكن عودة حكومات وقيادات هذه الدول إلى إعادة النظر بسياستها يحمل مؤشرات على قناعتها بعدم جدوى السياسات التي كانت تتبعها في تحقيق أي من أهدافها، وكذلك رغبتها في إيقاف أضرارها على مصالح شعوبها والشعوب الأخرى.

كذلك الأمر تعكس هذه التبدلات في المواقف السياسية إقراراً صريحاً لأصحابها بالفشل العسكري والسياسي، فيما يتعلق بمحاولات فرض إرادتها على الشعب السوري، وتحديد مستقبله وفقاً لمصالحها أو لخططها التي سارت عليها على مدى العشر سنوات الماضية من المشاركة في الحرب الإرهابية على سورية.

لا شك أن القول بشكل صريح “إننا لا نطمع في أراضي سورية وأن الشعب السوري أشقاؤنا” ليس بجديد وتم تكراره بسياقات أخرى ولأكثر من مرة، ولكن اليوم يحمل بعداً مختلفاً تبعاً للظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية، وهذا يستلزم اتباعه بخطوات عملية من جانب الجهة أو الحكومة التي أعلنته كي يبنى عليه، وهنالك خطوات يجب اتخاذها سريعاً للوثوق بمثل هذه المواقف والمضي بمواكبتها والأخذ بها والاستجابة لها.

بالتأكيد أن المستجد في المواقف السياسية لم يكن ليحصل لولا فشل الخيارات العدوانية والإرهابية، وصمود الشعب السوري في مواجهة التدخلات الخارجية، ووصول كل المحاولات الأخرى في تحقيق الهدف الأساسي للعدوان الإرهابي على سورية إلى الحائط المسدود.

وأيضا إن هذه التغيرات في المواقف هي بداية طريق لمواقف الدول التي كانت تتشارك معاً في رعاية الإرهاب ودعمه وتمويله، فهنالك من يشق الطريق فيما الآخرين يكملون إنجازه وصولا إلى نقطة التحول الأساسية، والتي من المتوقع ألا تتوقف عند الوضع في سورية بل قد تشمل المنطقة برمتها.

قد يعتقد البعض أن المواقف السياسية الإيجابية كافية لحل المشكلات والأزمات التي أنتجها العدوان والتدخل الخارجي في المنطقة، وهذا مجرد وهم ولا بد من معالجة تداعيات المرحلة السابقة على كل المستويات، وخاصة الاقتصادية والجيوسياسية منها، وهذا يتطلب لاحقا من الدول التي تورطت في دعم الإرهاب وألحقته بالإرهاب الاقتصادي أن تزيل أو تلغي الإجراءات القسرية أحادية الجانب، وأن تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في إعادة إعمار ما دمرته حروبها في المنطقة.

من المهم إدراك بعض دول المنطقة ولو كان متأخراً أن هنالك مخططات خبيثة تستهدف الجميع، ولكن هذا يتطلب الابتعاد عن سياسة الإملاءات، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، واحترام مبدأ حسن الجوار، والتعاون البناء لترسيخ الاستقرار في المنطقة، ومكافحة الإرهاب الذي يهدد الجميع.

إن التعاون البناء بين دول المنطقة هو الخيار الأسلم والسريع لحل مشاكلها وأزماتها، وإيجاد موقع لها على الساحة الدولية، وتستدعي الظروف الصعبة التي يمر فيها العالم من دول المنطقة التي تعاني من الارتهان للسياسات الدولية إلى إعادة النظر بخياراتها والسعي لحل المشاكل فيما بينها بالطرق السياسية بدلا من التعويل على دعم القوى الأخرى الطامعة أصلاً بموارد دول المنطقة وتركز كل جهودها للسيطرة عليها.