سورية وقمة الجزائر.. الحرص على المضمون أكثر من الشكل؟- بقلم: بسام هاشم

بلدانا يتقاسمان “البطولات والأمجاد” (..) و”سورية عنصر أساسي على الساحة العربية، وعضو مؤسس في الجامعة العربية، والوطن العربي بحاجة إلى سورية وليس العكس”.. تلك هي عيّنة ضئيلة من التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، خلال زيارته مطلع هذا الأسبوع إلى دمشق، في إطار الجهود والمساعي التي تبذلها الجزائر الشقيقة لضمان نجاح القمة العربية المقبلة المقرر عقدها في تشرين الثاني المقبل.. ومع ذلك، وعلى قاعدة أن “شر البلية ما يضحك”، وفي نوع من المفارقة السوداء – كما يبدو – هناك من يرفع الفيتو ويضع الشروط على حضور دمشق!!

وللحقيقة، وبكل الأخلاقية العالية والتهذيب الجمّ، ومن منطلق إعطاء الأولوية لـ “المضمون أكثر من الشكل”، مع الاستيعاب الكبير لدقة وحساسية الوضع العربي، كما عبر عن ذلك السيد الرئيس بشار الأسد خلال تسلمه رسالة الرئيس عبد المجيد تبون، وبكل “الواقعية” التي وصّف بها وزير الخارجية المقداد الموقف السوري من مسألة القمة، فإن السؤال الجدير بالطرح فعلاً، والذي يعني الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، والمؤسسات العربية والعمل العربي المشترك، بشكل عام، هو: إذا لم تحضر دولة تملك كل هذه المناقبية، وتتمتع بكل هذه المكانة، ولها كل هذا الدور، وهذه الأهمية، فمن الذي يحضر؟ ومن الذي يملك أهلية وضع شروط لحضورها؟ وبسؤال أكثر صراحة ربما: أين يكمن الاستعصاء في هذا الموضوع بالضبط؟ وهل من أعلن قرار تعليق عضوية سورية، قبل أكثر من عشر سنوات، قادر اليوم أن يرفع هذا القرار “من عندياته”؟ أم أنه، هو و”قراره!!”، أصبحا رهن السيد الأمريكي.. مايسترو اللعبة!؟ والحال، فنحن هنا أمام معضلة حقيقية تتجاوز مشاركة سورية من عدمها، لنستشرف من خلالها استقلالية “المؤسسة العربية الأم”، وحريتها في اتخاذ قراراتها.

والحقيقة، فإن دور سورية وحضورها لا يتأتيان من مقعد وطاولة، فسورية لم تغب على امتداد العقد الماضي، بل على العكس كانت في قلب الحدث الإقليمي والدولي، وكانت محوره من موقع الرفض والمقاومة، وفيما بعد شكلت المحرك الأول الذي أطلق شرارة عالم التعددية القطبية. وبعبارة أوضح، كانت سورية – وحدها – في خندق المواجهة الأول مع نظام أحادي متهالك، يتداعى اليوم، ويأفل، ويعيش حشرجاته الأخيرة، فيما كانت الجامعة “العفنة” تصطف منقادة في معسكر البترو دولار والعثمانية الجديدة والأطلسية الغربية.

بالطبع، لا أحد في سورية ضد العمل العربي، ولن يكون أحد ضده أبداً، ولكن العجرفة والحماقة والجهل لا تزال تزين للبعض أنه يمكن تغييب سورية.. ولكن سورية كلية الحضور أزلية المكانة.. ودورها مشتق من ذاتها كفكرة وممارسة، وإرادة وطنية وبعد قومي وتأثير حضاري، وهو ما لا تستطيع أي محنة عابرة أن تنتزعه. وإذا كانت سورية قد صمدت فلأنها تمتلك من عناصر القوة ما يجعلها غير قابلة للإلغاء أو الإمحاء، كما كان يشتهي البعض. وهذا ليس شوفينية أبداً، بل حقيقة تاريخية دامغة مكنت سورية من أن تكون عاصمة أول إمبراطورية عربية، وحاضرة الشرق على امتداد العصور، وقلب العروبة النابض، والخندق الأول في مقاومة الغزوات الأجنبية، منذ زنوبيا وحتى أمهات شهداء كل المدن السورية. وبهذا التاريخ وبهذه الرمزية إنما تنسج عبر المحن عناصر قوتها.

لن يستغرب كثيرون، بالتأكيد، إن عرفوا إن سورية ليست في عجلة من أمرها أساساً، وخاصة في المرحلة الراهنة؛ فالواقعية السياسية وإمكانات الواقع العربي حالياً تجعل سقف التوقعات العربية منخفضاً تماماً، إن لم يكن شبه معدوم، فنحن ما زلنا في مرحلة ربما بات مجرد وقف “واقع” العداء بين دول عربية عديدة، أو وقف تدخل دول عربية “معروفة” في شؤون دول أخرى، أو حتى الكف عن لعب “أدوار وظيفية” لتخديم مظاهر التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية للغرب الأطلسي، أو وقف استخدام الإرهاب التكفيري في سياق أجندات استعمارية وعثمانية جديدة، أو حتى تغذية الخلافات الداخلية واللعب باستقرار دول أضعف، أو التآمر على الحقوق الفلسطينية، أو وقف التطبيع كنهج يضعف الموقف التفاوضي لبلدان إقليم الشام خاصة.. كل تلك باتت أمنية مستحيلة، وقد تحتاج إلى عقود، ولربما إلى مقاربة ثورية، لجعلها حقيقة معاشة، فالجامعة ليست إلا “مرآة الوضع العربي”، كما قال السيد الرئيس بشار الأسد، ومجرد انعقادها ليس كافياً.

ما نود الإشارة إليه أخيراً هو أن العلاقة بين سورية والجامعة في هذه المرحلة تشكل انعكاساً لنظام عربي محكوم بهيمنة البترو – دولار، مع ما يستتبع ذلك من تحالفات إقليمية باتت إسرائيل – وللأسف – طرفاً مطلوباً فيها. ولكن الخط الاستراتيجي الرئيسي في الشرق الأوسط يسجل مساراً معاكساً تماماً، وقد تكون المنطقة مرشحة للعودة إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها قبل 11 عاماً.. ودون أي محاولة للدخول في التفاصيل، فإن الجامعة قد تجد نفسها أمام اتهامات متجددة بالعجز والتواطؤ لترحيل ملفاتها الخاصة بها.. ولكن إلى أين هذه المرة؟

بانتظار الإجابة.. لن تضع سورية أدنى شرط لحضور أي من شقيقاتها!!

انظر ايضاً

عصر التحولات الكبرى الجديدة بقلم: بسام هاشم

.. للمفارقة، فقد توجت “نهاية التاريخ” بتدمير نظام القطبية الأحادية نفسه، ليدخل عالم اليوم مرحلة …