يونس: بإمكان قصيدة النثر أن تضيء على الحياة وتغنيها

دمشق-سانا

الشاعر الدكتور محمد توفيق يونس كون لنفسه أسلوبا شعريا جديدا جمع بين فلسفتي الروح والجسد إضافة إلى العاطفة الإنسانية محاولا أن يصل إلى قصيدة نثرية لها خصوصية تقترب من الإنسان حتى يسهم في حداثة شعرية حقيقية.

وفي حديث خاص لـ سانا الثقافية قال يونس.. الشعر رؤية والجديد منه عامة وقصيدة النثر خاصة ميدان للبحث والتساؤل ونموذج للكتابة الشعرية الجديدة بدأت من خمسينيات وستينيات القرن الماضي ثم أخذت تتطور في بنائها الفني وفي كيفية التعبير عن رؤاها بحيث يبقى هذا البناء قابلا للتجدد والتغيير من خلال تناغم داخلي وقصيدة النثر ادراك كلي ولا نهائي للإحساس بالعالم والإنسان والجمال.2

وبهذا المفهوم فإن يونس يرى في الحداثة بوصفها إبداعا استمرار التغير والتغيير فهي تستند على موروثها الجمالي بعبقريته وبهاءاته مشيرا إلى أن التعبير باللغة الشعرية تعبير عن حال نفسي وشعوري بلغة تحمل التوتر والرؤية وتنتظم كلماتها بعلاقات جمال وخصوصية انفعال.

ويعتبر أن قصيدة النثر بإمكانها أن تضيء الحياة وتغنيها وتعيد ابداعها وتجديدها بالكشف والمعرفة لكنه يرى أن ما يميز الشعر الأصيل عن سواه الرؤى التي يصوغها الفكر والعقل والخيال وتبنيها التجارب والطرائق ليظهر الفرق بين قصيدة النثر والأجناس الأخرى في طريقة التعبير وفي تمايز النظر إلى الشعر نفسه.

وبرأي صاحب مجموعة أبجدية الجسد فإن تجربة قصيدة النثر شكلت مفهوما جديدا للإنسان والعالم والحياة بطرائق جديدة عبر تغير أنظمة المعاني والدلالات والتمثل والتخييل ولهذا السبب وصفت قصيدة النثر بالغموض رغم أنه يرى أن هذا الوصف ليس وصفا نقديا بقدر ما هو مسوغ لمن تبناه برفض طريقة التعبير الجديدة والحكم على الحاضر بمعايير الدارس الغابر.

وأشار يونس إلى أن قصيدة النثر قادرة على التماهي بالماضي والحاضر والمستقبل وعلى فتح مشروع مستقبلي من حق الجميع أن يستمتعوا ويسعدوا به فهي تشحذ الذهن بالأسئلة وتخرج عن الرتابة وتحيل الواقع خلال النص إلى كمال اللغة ورفاه المعنى والمبنى.

والشعر بحسب مفهوم يونس ميدان ابداع وتجديد ويسعى الشاعر دائما إلى ابتكار رؤى جمالية تخصه وحده وتتأتى هذه الجمالية بالتجديد والسعي الدائب للخروج عن المستقر وإيجاد طرائق جديدة بالتعبير عن حركة الواقع.

فالخيال يسبق الواقع وينظر له وكلما تغير الواقع تغير أسلوب النظر إليه والتعبير عنه فكما سادت طرائق التعبير عن تلك الرؤى لقرون في قصيدة الشطرين وما تلاها في قصيدة التفعيلة تأتي قصيدة النثر حرة غير منفصلة منسجمة بذاتها وموضوعها تسعى إلى الحركة في مدارات الإبداع والبحث عن نظام آخر للكتابة الشعرية من أجل واقع أفضل وعيش إنساني راق وجميل.

وينظر شاعرنا إلى مشروع التجديد والحداثة كمسؤولية كبرى وهذا ما حد من عدد الطاعنين بشرعية التجديد والحداثة معيدا ذلك لتجربة نصف قرن هي عمر الحداثة في الشعر العربي والتي كانت كافية لتميز حقبة أدبية للقصيدة الحديثة بكل أشكالها.

ويقارن يونس بين ما حظي به الرواد الأوائل في الشعر الحديث مثل أدونيس ومحمد الماغوط وممدوح عدوان ومحمد عمران وفايز خضور وغيرهم ممن واكبوا التجديد سواء كان في الدراسات النقدية أو في الرسائل الدراسية وبين المجددين في قصيدة النثر الحديثة في تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي الذين لم يحظوا باهتمام جدي رغم سيادة قصيدة النثر في مرايا النشر سواء كانت في الصحف والدوريات الأدبية وفي مطبوعات المؤسسات المعنية كاتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة.

وعن مواكبة النقد لقصيدة النثر قال يونس.. منذ البداية الشعر يسير في اتجاه والنقد يسير في اتجاه اخر وبينما يحاول الشعراء أن يبتكروا أساليب جديدة لشعرهم يتعلق النقاد بالقديم الموروث ويفضلونه لأنه قديم وحين ننظر في مراة حاضرنا إلى التجديد الذي أتى به أسلافنا في الماضي نرى انقلاب المقاييس وتغيير المعايير بتغيير مفهوم الكتابة الإبداعية الجديدة التي تقوم بإبداع نظام جديد للأفكار وبالابتعاد عن السائد وعلاقاته.

ويخلص الشاعر المدرس في جامعة تشرين إلى أن الشعر الجديد بحاجة إلى رؤى نقدية جديدة بحيث يؤسس النقد الجديد للشعر الجديد مشروعه الخاص بلغته الخاصة مبينا أن التجارب النقدية على الرغم من الاهتمام النوعي بمهارات صناعة القصيدة إلا أن معاينتها من خلال فروض نقدية بحاجة لأن تنفتح على الأغصان المتجددة دائمة الخضرة.

وختم يونس بالقول في مجال الشعر المتحول هو الثابت الوحيد والمستقبل الأفضل للعمل البسيط الجميل الذي يخاطب الوجود معرفة وفهما وفي محاكاة للعالم في مستوى التأمل والتفكير والتساؤل سواء كان هذا في الشعر أم في القصة والرواية.

يذكر أن الدكتور محمد توفيق يونس هو دكتور فلسفة في الجيولوجية البنيوية وأستاذ في جامعة تشرين والجامعة السورية الخاصة وهو عضو اتحاد الكتاب العرب في جمعية الشعر.

من أعماله الأدبية في الشعر كيان وكون وسفر السفر وحالات ومقاربات وأبجدية الجسد وفي القصة ريما وأقاصيص اخرى.

محمد الخضر