الفنان برهم العوض: التشكيليون السوريون يتحدون الموت بالابداع

دمشق-سانا

يقدم التشكيلي برهم العوض في لوحته الأبعاد الإنسانية والوجدانية التي تعبر عن حالات متنوعة لإيصال إحساسه للمشاهد عبر أسلوبية خاصة تمزج بين التعبيرية والواقعية مراهناً على الصدمة التي تتولد في النفس أمام عمله لنقل ذلك الإحساس الذي يريد إيصاله.1

العوض الذي يعرض تجربته الأخيرة حالياً في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق يقوم منذ نحو خمسة عشر يوماً بالرسم المباشر يومياً أمام الجمهور في مكان المعرض للوحة جدارية تعبر عن الأحداث والآلام التي تمر بها سورية وعن هذه اللوحة التي سيعرضها في العاشر من الشهر القادم ومن ثم سيهديها لدار الأوبرا يقول في حديث لسانا..طلبت مني إدارة دار الأوبرا القيام برسم لوحة أمام الجمهور مباشرة خلال أيام المعرض فرحبت بالفكرة ووضعت تصورا لهذا العمل وبدأت بإنتاجه فوراً.

ويتابع.. “أردت من خلال هذا العمل البانورامي تقديم رؤيتي للأزمة التي نعيشها بلغة بصرية سورية تحمل الكثير من الاختزال والدلالة من خلال الرموز المتنوعة وعلاقتها ببعضها فنياً لتروي قصة ألم وحزن وأمل وتفاؤل هذا الشعب العظيم”.

وحول معرضه الذي يقدم من خلاله ثماني عشرة لوحة بتقنية المواد المختلفة على القماش والكرتون وبأسلوبية تعبيرية يوضح العوض أن لوحاته حملت البعد الإنساني الناجم عن المعاناة بكل أشكالها وظروفها عبر تمرير رسائل رمزية من خلال التعاطي مع  البورتريه أحياناً وتهميش التفاصيل مع التركيز على نظرة العين أو من خلال تكوينات إنسانية تنم عن حالات منوعة عند الرجل والمرأة.2

اختار العوض أسماء للوحاته المعروضة مثل حتى قدوم العاصفة وتكوين وخذني لك وبعد إنساني وحكاية دمشقية وعن الأخيرة يقول..أردت من خلال هذه اللوحة أن أوصل رسالة بأن التاريخ بدأ هنا وسينتهي هنا فنحن نملك الحضارة الأولى وقدمناها للعالم منذ فجر التاريخ مبيناً أن لوحة حتى الزمن تختزل حال المرأة التي تنتمي للأرض وتعطي دائماً لكن الزمن يمر دون أن يعيرها الاهتمام الذي تستحقه.

تحضر المرأة بقوة في أعمال العوض المعروضة فهي عنده خامة خصبة للبحث في خفايا روحها ووجدانها فقدم أعمالا تمثل تكرار المرأة لذاتها وعدم قدرتها على الخروج عن النمط الذي تكبلت به عبر الزمن من الأم وصولاً لابنتها.3

يعتبر العوض لوحته صلة الوصل بينه وبين وجدان الإنسان أينما وجد وخاصة ذلك الذي يعاني وجع الفقد أو الحب مبيناً أن لوحة وجه أبي كما وجهي تعبر عن حالة خاصة عاشها مع والده الذي انفجرت الدماء في داخل جسده فأراد أن يمثل هذه الحالة وهذا الإحساس باللون وخاصة أن هذه الحالة تشبه حالتنا التي نعيشها اليوم.

لم يتوقف العوض عن العمل خلال الأزمة فهي بالنسبة له كانت محرضاً على الاستمرار بالعمل والتعبير عن إرادة الحياة ولكنها غيرت من توجهاته الفنية فصارت لوحاته تقدم الحالات الإنسانية المعبرة عن حال السوريين بعد أن كان يقدم لوحات الأيقونة لسنوات طويلة.

ويرى العوض أن الأزمة “أثرت” على التشكيليين السوريين “نفسياً” فمنهم من توقف عن العمل ومنهم من حرضت لديه مشاعر وأحاسيس جديدة فعبر عنها بأعماله ومنهم من استمر في عمله القديم إضافة إلى عدد من الفنانين الذين يعيشون حالة انتظار للفرصة المناسبة للعمل وتقديم ما لديهم من أعمال ورؤى وأفكار لافتا إلى أهمية دور الإعلام في تسليط الضوء على كل التجارب التي تقدم لتشجيع الفنانين على الاستمرار بالعمل وعرض أعمالهم.4

ويعبر العوض عن رضاه عن الإقبال الذي لقيه معرضه في دار الأسد للثقافة والفنون مشيراً إلى أهمية هذا المكان الثقافي وضرورة الاستفادة من إمكاناته المتعددة لنشر الثقافة بشكل عام في المجتمع وذلك بإقامة نشاطات منوعة في الوقت ذاته ما يقدم وجبة ثقافية غنية للإنسان السوري المتعطش للثقافة والفن.

ويقول..”إن لجمهور لدينا منفتح نحو الفن التشكيلي وهو اليوم أقرب إليه حيث انتقل هذا الفن من ارتباطه بشريحة اجتماعية وثقافية معينة ليكون متاحاً لكل الناس من ناحية المتابعة والمشاهدة” مبيناً أن أسعار الأعمال الفنية لاتزال عالية ولايستطيع أغلب الناس اقتناء هذه الأعمال نتيجة الظرف الاقتصادي الصعب على الجميع.

ويرى العوض أن هناك ضرورة لوضع مادة عن التربية الثقافية في المناهج التعليمية للمدارس إلى جانب دور الأسرة في زرع بذور الثقافة والتذوق الفني لصناعة حضارة وطنية في المجتمع السوري والابتعاد بالأجيال المقبلة عن الأفكار الظلامية والسوداء نحو الانفتاح والقيم الإنسانية السامية والمحبة.

وعن حال السوق الفنية داخل سورية يؤكد العوض أن حركة بيع الأعمال الفنية حالياً “ضعيفة جداً” بعد أن أغلقت أغلب الصالات الفنية ولكن بعض الفنانين استطاعوا من خلال “علاقاتهم الشخصية” أن يسوقوا بعض أعمالهم سواء في داخل سورية أو خارجها مبيناً أن هناك تواجداً مهماً للتشكيل السوري في الخارج وأنه يلاقي الاهتمام والتكريم المناسب لدى المجتمعات الغربية وفي الأوساط الثقافية العالمية.5

ويدعو الفنان السوري الجميع إلى العودة لقراءة تاريخ سورية التي كانت نبع الحضارات للعالم  مبيناً أن “الغرب اليوم يبيعنا هذه الحضارة التي أعطيناه أسسها لذلك من الضروري إنتاج حضارتنا الخاصة والابتعاد عن استيراد الأفكار والثقافة والفن من الغرب”.

وعن هوية الفن التشكيلي السوري يقول العوض..إن التجارب التشكيلية السورية عند الرواد شكلت نهضة للفن التشكيلي في سورية ولكن عمر الحركة التشكيلية السورية ليس بالكبير مقارنة بتاريخ الفن التشكيلي في الغرب لذلك لاتزال هوية التشكيل السوري في حالة بناء موضحا أننا نملك التاريخ والحضارة اللازمة لإنتاج هوية فنية خاصة.

وعن الحداثة في الفن التشكيلي يعبر العوض عن أهمية التجديد الدائم في التجارب التشكيلية ولكن يجب بالوقت ذاته الابتعاد عن التقليد لتجارب الغرب في الحداثة الفنية وامتلاك ثقافة وطنية يعبر عنها بأساليب فنية حديثة مشدداً على أهمية وجود الدعم بكل أشكاله  للتجارب الفنية السورية لتتطور وترتقي نحو الابداع.7

ويرى العوض أن المؤسسة الثقافية الرسمية تقوم بواجبها تجاه الفن التشكيلي في هذه الظروف الصعبة من خلال إقامة المعارض والأنشطة والفعاليات التشكيلية ولكنها تفتقد إلى أسلوب التسويق الجماهيري لهذه الأنشطة والفعاليات لإيصالها لأكبر شريحة من الناس في سورية ومن ثم إلى العالمية.

ويلفت العوض إلى الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الفن التشكيلي وتوفير فرص غنية لمتابعة المعارض والأنشطة والنتاجات الفنية في وقتها دون التقيد بالمكان ما وفر الكثير من الوقت والجهد والمال لمحبي الفن والثقافة وهيأ لهم إمكانية التواصل أكثر مع الفن التشكيلي والتشكيليين.

ويعبر العوض في ختام حديثه عن تفاؤله بمستقبل الحركة التشكيلية السورية ويقول..رغم كل ما نعيشه اليوم من آثار الحرب علينا إلا أن التشكيليين مازالوا يعملون داخل سورية وينتجون الفن والجمال ويتحدون الموت بالإبداع.

والفنان برهم العوض من مواليد عام 1965 وخريج كلية الفنون الجميلة عام 1989 ولديه العديد من المعارض المشتركة والفردية داخل سورية وخارجها وأعماله من الأيقونات مقتناة في عدد من كنائس سورية ولبنان.

محمد سمير طحان

انظر ايضاً

حالات السيلفي في معرض التشكيلي برهم العوض بثقافي جرمانا

دمشق-سانا اختار التشكيلي برهم العوض لمعرضه الذي يحتضنه المركز الثقافي بجرمانا حاليا عنوان حالة عشق …