وجه الإنسان بما فيه من صراعات وحالات انفصام محور تجربة النحات عيدو الحسين

دمشق-سانا

تتسم أعمال الرسام والنحات عيدو الحسين بابتداع رؤية جديدة بالنحت تتمثل بالتركيز على جانب معين في العمل وإبرازه ليبدو وكأنه العمل كله إضافة إلى اهتمامه بالجوانب النفسية للوجه أو بقسم منه ليظهر كقطعة مكسورة من العمل ولكنه هو المنحوتة ذاتها.

النحات الحسين من مواليد مدينة عفرين ويعيش في فرنسا حاليا أوضح في حوار مع سانا الثقافية أن الفن في الشرق أكثر عمقا في الجانب الروحي لذلك يبحث في عمله عن أفضل وأعمق تجسيد لهذا الجانب الإنساني والروحي في شكل يواكب تطور الفن وما وصل إليه في الوقت الحالي.

وينطلق النحات الحسين في عمله من مقولة أن العقل هو تراكم معرفي مكتسب ومعاش والعمل الفني هو إعادة إنتاج لهذا التراكم مشيرا إلى أن الفنان أكثر الأشخاص انفتاحا وتأثرا بما حوله ولكنه يظل حاملا إرثه الحضاري والمعرفي المرتبط بالهوية والانتماء والتاريخ.

وأثناء انشغال الحسين بالنحت كثيرا ما يكتشف حالات وإيحاءات عفوية تظهر وكأنها مدروسة وعقلانية تعكس الملامح والهوية التي يبحث عنها وتأخذه عميقا في التاريخ من “ميزوبوتاميا” أقدم حضارات بلاد الرافدين إلى الفراعنة والتماثيل والاقنعة الإفريقية وأحيانا أخرى في عكس الاتجاه إلى المستقبل وإلى إنسان الزمن القادم.

ويعمل النحات الحسين على الوجه البشري أو الرأس بصورة مجازية في أغلب الأعمال كمفردة تشكيلية لقناعته بأن رأس الإنسان هو مركز شخصيته ومركز الكون بالنسبة له وهو من وجهة نظره كالصندوق الأسود للحياة والوجود وعبره نستطيع قراءة الشخص وتاريخه من خلال وجهه وملامحه.

وحول الصراع الذي يظهر في أعماله يعيد النحات الحسين ذلك إلى أن الإنسان كفرد وكنوع لديه حالة من الانفصام والتشتت بين قوتين تتصارعان في ذاته وتركت آثارها على ملامحه ووجهه من ارتباطه بالأرض والوطن والتاريخ إلى طموحه وأحلامه وأمله عبر التحليق في البعيد مبينا أنه يعمل على تجسيد هذا الصراع فنيا عبر الشكل والمضمون وتطاول الرأس والوجه وتغير ملامحه تحت مؤثرات الزمن ومخلفات الصراع.

ورغم النصوص الشعرية المجاورة للعمل واللوحات التشكيلية التي ينفذها فإنه لا يعتبر نفسه رساما أو شاعرا ويصف أعماله الزيتية بأنها بعد وعمق إضافي لتجربته النحتية أما تعليقاته المرافقة لبعض أعماله فهي ناتج ما تثيره هذه الأعمال في لحظة تأمل وتواصل روحي معها ليجد نفسه في نهاية المطاف ضمن فضاء متعدد الأبعاد يجمعه محور واحد يتجلى بإيصال رسالته إلى الآخر.

كما يبرع النحات الحسين في فن المنحوتة الأيقونة التي تعبر عن دلالات حضارية لثقافات عميقة سورية تتجلى عنده خلال تفاصيل الوجه وملامح الخدود والعيون والجبهة والراس بشكل عام كما يخوض في تلك الثقافات والأساطير عبر منحوتات خشبية تروي حكايات العاشقين كأسطورة ممو زين.

ويعول الحسين على أهمية الحوار في منحوتاته بتفاصيلها والتي تضع المتلقي في حوار صامت مليء بالأسئلة عبر الأزمان الغابرة إضافة إلى أعماله في النحت على الزجاج التي توحي بالعمق والتأمل في الزمن وتحولاته.

ويعبر الحسين في ختام حديثه عن مخاوفه مما يشهده الفكر البشري حاليا من حالة صراع بين الفكر الفلسفي والثقافي والفني وبين الذكاء الصناعي والعالم الافتراضي حيث كل المؤشرات توحي بأن التفوق سيكون للأخير ما يهدد كل ما يتعلق بالجانب الروحي للإنسان من الفكر والثقافة والفن.

 بلال أحمد